رسالة الترحيب



ومــا كـنـت مـمـن يـدخـل العـشـق قلـبـه -
و لـكــن مـــن يـبـصـر جـفـونـك يـعـشــق
.




بحث هذه المدونة الإلكترونية

05‏/07‏/2011

الشاعر أدونيس .........

أدونيس
أعزائى قراء الموقع والان مع الجزء الاول من قصائد الشاعر أدونيس
اولا نبذة عن الشاعر


اسمه علي أحمد سعيد إسبر, و (أدونيس) هو لقب اتخذه منذ 1948.

ولد عام 1930 لأسرة فلاحية فقيرة في قرية (قصابين) من محافظة اللاذقية. لم يعرف مدرسة نظامية قبل سن الثالثة عشرة, لكنه حفظ القرآن على يد أبيه, كما حفظ عددًا كبيرًا من قصائد القدامى.

في ربيع 1944, ألقى قصيدة وطنية من شعره أمام رئيس الجمهورية السورية حينذاك, والذي كان في زيارة للمنطقة. نالت قصيدته الإعجاب, فأرسلته الدولة إلى المدرسة العلمانية الفرنسية في (طرطوس); فقطع مراحل الدراسة قفزًا, وتخرج من الجامعة مجازًا في الفلسفة.

التحق بالخدمة العسكرية عام 1954, وقضى منها سنة في السجن بلا محاكمة بسبب انتمائه -وقتذاك- للحزب السوري القومي الاجتماعي الذي تركه عام 1960. غادر سوريا إلى لبنان عام 1956, حيث التقى بالشاعر يوسف الخال, وأصدرا معًا مجلة (شعر) في مطلع عام 1975. ثم أصدر أدونيس مجلة (مواقف) بين عامي 1969 و 1994. درّس في الجامعة اللبنانية, ونال دكتوراه الدولة في الأدب عام 1973, وأثارت أطروحته (الثابت والمتحول) سجالاً طويلاً.

بدءًا من عام 1981, تكررت دعوته كأستاذ زائر إلى جامعات ومراكز للبحث في فرنسا وسويسرا والولايات المتحدة وألمانيا. تلقى عددًا من الجوائز اللبنانية والعالمية وألقاب التكريم. وترجمت أعماله إلى ثلاث عشرة لغة .

غادر بيروت في 1985 متوجها ري باريس بسبب ظروف الحرب.
حصل سنة 1986 على الجائزة الكبرى ببروكسيل.
ثم جائزة التاج الذهبي للشعر مقدونيا- أكتوبر 97

المؤلفات :
قصائد أولى ط 1، دار مجلة شعر بيروت، 1957
أوراق في الريح، ط أ دار مجلة شعر بيروت، 1958
أغاني مهيار الدمشقي، ط 1 ، دار مجلة شعر، بيروت، 1961
كتاب التحولات والهجرة في أقاليم النهار والليل
المسرح والمرايا، ط 1 دار الآداب، بيروت 1968
وقت بين الرماد والورد، ط 1، دار العودة بيروت 1970
هذا هو اسمي، دار الآداب بيروت 1980
مفرد بصيغة الجمع، ط 4، دار العودة بيروت 1977
كتاب القصائد الخمس، ط 1، دار العودة بيروت 1979
كتاب الحصار، دار الآداب بيروت 1985
شهوة تتقدم في خرائط المادة، دار توبقال للنشر الدار البيضاء 1987
احتفاء بالأشياء الواضحة الغامضة دار الآداب، بيروت 1988
أبجدية ثانية دار توبقال البيضاء 1994
الكتاب أمس المكان الآن - دار الساقي بيروت لندن 1995
مختارات من شعر يوسف الخال، دار مجلة شعر بيروت، 1962
أدونيس مع والدته
ديوان الشعر العربي الكتاب الأول، المكتبة العصرية بيروت 1964
الكتاب الثاني، المكتبة العصرية، بيروت 1964
الكتاب الثالث، المكتبة العصرية، بيروت 1968
مختارات من شعر السياب، دار الآداب بيروت 1967
مختارات من شعر شوقي (مع مقدمة) دار العلم للملايين بيروت 1982
مختارات من شعر الرصافي (مع مقدمة) دار العلم للملايين، بيروت 1982
مختارات من الكواكبي (مع مقدمة) دار العلم للملايين، بيروت 1982
مختارات من محمد عبده (مع مقدمة) دار الحلم للملايين، بيروت 1983
مختارات من محمد رشيد رضى (مع مقدمة) دار العلم للملايين، بيروت 1983
مختارات من شعر الزهاوي (مع مقدمة) دار العلم للملايين، بيروت 1983 (الكتب الستة الأخيرة، وضعت بالتعاون مع خالدة سعيد)
مسرح جورج شحادة
حكاية فاسكو، وزارة الإعلام الكويت 1972
السيد بوبل، وزارة الأعلام الكويت 1972
مهاجر بريسبان، وزارة الإعلام الكويت 1973
البنفسج وزارة الإعلام الكويت 1973
السفر، وزارة الإعلام الكويت 1975
سهرة الأمثال، وزارة الإعلام الكويت 1975
الأعمال الشعرية الكاملة لسان جون بيرس
منارات، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، د مشق 1976
منفى، وقصائد أخرى، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق 1978
مسرح راسين
فيدر ومأساة طيبة أو الشقيقان العدوان، وزارة الإعلام، الكويت 1979
الأعمال الشعرية الكاملة لإيف بونفوا، وزارة الثقافة، دمشق 1986
الأعمال الشعرية الكاملة ديوان أدونيس، ط 1 دار العودة بيروت 1971
الأعمال الشعرية الكاملة، دار العودة بيروت 1985. ط 5، دار العودة بيروت 1988
مقدمة للشعر العربي، ط 1، دار العودة، بيروت، 1971
زمن الشعر، ط 1، دار العودة، بيروت 1972
الثابت والمتحول، بحث في الإتباع والإبداع عند العرب
الأصول
تأصيل الأصول
صدمة الحداثة وسلطة الموروث الديني
صدمة الحداثة وسلطة الموروث الشعري دار الساقي،
فاتحة لنهايات القرن، الطعبة الأولى، دار العودة بيروت 1980
سياسة الشعر، دار الآداب، بيروت 1985
الشعرية العربية، دار الآداب، بيروت 1985
كلام البدايات، دار الآداب، بيروت '1990
الصوفية و السوريالية، دار الساقي، بيروت، 1992
النص القرآني و آفاق الكتابة، دار الآداب، بيروت 1993
النظام والكلام، دار الآداب، بيروت 1993
هاأنت أيها الوقت، دار الآداب، بيروت 1993. سيرة ثقافية.@

الجوائز:
جائزة الشعر السوري اللبناني - منتدى الشعر الدولي في بيتسبورغ -أمريكا - 1971
جائزة جان مارليو للآداب الاجنبية _ فرنسا _ 1993
جائزة فيرونيا سيتا دي فيامو روما _ ايطاليا 1994 _
جائزة ناظم حكمت _ اسطنبول _ 1995
جائزة البحر المتوسط للأدب الاجنبي _ باريس
و جائزة المنتدى الثقافي اللبناني _ باريس 1997
جائزة التاج الذهبي للشعر مقدونيا- أكتوبر1998
جائزة نونينو للشعر - ايطاليا 1998
جائزة ليريسي بيا _ ايطاليا _ 2000

ثانيا القصائد
قناديل
ما هذا الإنسان
الذي لا نعثر على اللاإنساني
إلاّ فيه?
أهواء الحكم
تفتح الأبواب واسعة
لحكم الأهواء.
بقدر ما تضيق رقعة القول
تضيق رقعة الوجود.
*********************************************************
لون الماء
لونكَ لونُ الماء
يا جَسَدَ الكَلامْ
حين يكون الماءْ
خميرةً أو صاعقاً أو نارْ
وَاشْتعَلَ الماءُ وصارَ صاعقاً وصارْ
خميرةً ونارْ،
نَيُلوفراً
يسْألُ عن وسادتي
ينامْ...
يا نَهَرَ الكَلامْ
سافرْ معي يومين، جمعتين في خميرة الأسرارْ
نلتقطُ البحارَ، أو نسْتكشف المحارْ
نُمطرُ ياقوتاً وآبنوساً
نعرفُ أنَّ السّحرْ
جنّيةٌ سوداءْ
ترفضُ أن تعشقَ غير البَحرْ.
سافرْ معي واظهرْ هنا... وغِبْ هنا...
واسألْ معي يا نَهَرَ الكَلامْ
عن صَدفٍ يموتُ كي يَصيرْ
سحابةً حمراءْ
تُمطِرُ،
عن جزيرهْ
تَسيرُ أو تطيرْ،
وَاسألْ معي يا نَهَرَ الكلامْ
عنِ نجمةٍ أسيرهْ
بين شِباكِ الماءْ
تحمل تحت ثديها
أياميَ الأخيرهْ.
واسألْ معي يا نهرَ الكلامْ
عن حجرٍ ينبُعُ منه الماءْ
عن موجةٍ يولد منها الصّخرْ
عن حيوان المِسكِ، عن يَمامةٍ من نورْ
واهبطْ معي في شَبك الدّيجورْ
في القاع،
حيثُ الزّمنُ المكسورْ
وَلْيكنِ الكلامْ
قصيدةً تلبَس وجهَ البَحْر.
***********************************************
الوقت
( مقاطع )
حاضنا سنبلة الوقت
حاضنا سنبلة الوقت، ورأسي برج نار:
ما الدّمُ الضّاربُ في الرّملِ، وما هذا الأفولُ؟
قُلْ لَنا، يا لَهَبَ الحاضِرِ، ماذا سنقولُ؟
مِزَقُ التّاريخِ في حُنجرتي
وعلى وجهي أماراتُ الضّحيّهْ
ما أَمَرَّ اللّغةَ الآنَ وما أضيقَ بابَ الأبجديّهْ.
...
حاضنًا سنبلةَ الوقتِ ورأسي برجُ نارٍ:
أصديقٌ صار جلاداَ؟
أجار قال ما أبطأ هولاكو؟
من الطارق، جابٍ؟أعطه الجزية.
أشكالُ رجالٍ ونساءٍ، صورٌ تمشي أشرنا وتساررنا
خطانا خيطُ قتلٍ
أترى قتلُك من ربك آتٍ؟
أم ترى ربك من قتلِك آتٍ؟
ضيعَّته الأحجيةْ فانحنى قوساً من الرعبِ على أيامه المنحنية
لي أخٌ ضاع أبٌ جُنَّ وأطفاليَ ماتوا
من أرجّي؟
هل أضم الباب؟
هل أشكو إلى سجادةٍ؟
داخ هات الحُقَّ وامنحه الشفاهَ من عطوس الفقهاء
جُثَثٌ يقرؤُها القاتِلُ كالطُّرْفَةِ / أَهْراءُ عِظامٍ،
رأسُ طِفْلٍ هذه الكتله،أم قطعةُ فَحْمٍ؟
جسَدٌ هذا الذي أشهدُ أم هيكلُ طينٍ؟
أَنحني، أرتُقُ عينين، وأَرفو خاصِره
ربّما يُسعفُني الظنُّ ويَهديني ضياءُ الذّاكره
غيرَ أنّي عبثًا أَسْتقرىءُ الخيطَ النَّحيلْ
عبثًا أجمعُ رأسًا وذراعينِ وساقين، لكيْ
أكتشفَ الشّخصَ القتيلْ
لمن النملة تعطي درسها؟
ولما الدهشة؟
شعرٌ مزج هذا الشرر الفاجع بالعين
انخطاف أن ترى بيتك مرفوعاً إلى الله شظايا
صرختْ بومةُ عرافٍ على مئذنة
نسجت من صوتها قوسَ قزح
وبكت مخنوقةً حتى الفرح
...
حاضِنًا سنبلةَ الوقتِ ورأسي برجُ نارٍ:
كَشَفَ البهلولُ عن أسرارِهِ
كَشَفَ البهلولُ عن أسرارِهِ
أَنّ هذا الزّمَنَ الثّائرَ دُكّانُ حِلّيٍ،
أنّه مُسْتَنْقَعٌ من أنبياءْ
كشفَ البهلولُ عن أَسْرارِهِ
سيكونُ الصِّدقُ موتًاً
ويكون الموتُ خُبْزَ الشّعراءْ
والذي سُمّي أو صارَ الوطَنْ
ليس إلاّ زمنًا يطفو على وجهِ الزَّمَنْ.
كشف البهلول عن أسراره
أين مفتاحك يا أُبْهَة الطوفان
لطفاً أغرقيني وخذي آخِر شطأني
خذيني سحرتني لجةٌ لاهبةٌ سحرتني قشةٌ تحترق
سحرتني طرقٌ تجفلُ منها الطرق
...
حاضِنًا سنبلةَ الوقت ورأسي برجُ نارٍ:
نسيتْ نفسيَ أشياء هواها
نسيتْ ميراثها المكنون في بيت الصور
لم تعد تذكر ما تلفظه الأمطار
ما يكتبه حبر الشجر
لم تعد ترسم إلا نورساً
يقذفه الموج إلى حبل سفينة
لم تعد تسمع إلا معدناً يصرخ ها صدر المدينة
قمرٌ ينشق مربوطا إلى سرة غولٍ من شرر
لم تعد تعرف أن الله والشاعر طفلان ينامان على خد الحجر
نسيتْ نفسي أشياء هواها
ولذا يرعبني الظل، الغد المرتسم، ولذا يملأني الريب
ويستعصي عليَّ الحلم
موثَقاً أركض من نار لنار غصت تحت العرق الدافق من جسمي
وقاسمت الجدار أرقَ الليل
خطى الليل وحوش
ومراراً قلتُ للشعر الذي يرسب في ذاكرتي
أيُّ منشار على عنقيَ يملي أية الصمت
لمن أروي رمادي وأنا أجهل أن أنتزع النبض وأرميه
على طاولةٍ وأنا أرفض أن أجعل من حزنيَ طبلاً للسماء
فل أقل كانت حياتي بيت أشباحٍ وطاحون هوى
...
حاضناً سنبلة الوقت ورأسي برجُ نارٍ:
شَجرُ الحبّ بقصّابينَ آخى
شَجَرَ الموتِ ببيروتٍ، وهذي
غابَةُ الآسِ تُؤَاسي
غابةَ النَّفْي، - كما تدخلُ قَصّابينُ في خارطةِ
العشْبِ، وتَسْتَقْطِرُ أحشاءَ السّهولْ
دخلَتْ بيروتُ في خارطةِ الموتِ / قبورٌ
كالبساتينِ وأشلاءٌ - حقولْ
ما الذي يسكبُ قصّابينَ في صيدا، وفي صورٍ،
وبيروتُ التي تَنسكبُ؟
ما الذي، في بُعدِه، يقتربُ؟
ما الذي يمزجُ في خارطتي هذي الدِّماءْ،
يبسَ الصّيفُ ولم يأتِ الخريفْ
والرّبيعُ اسْوَدَّ في ذاكرةِ الأرضِ / الشّتاءْ
مثلما يرسمُه الموتُ: احتضارٌ أو نزيفْ
زمنٌ يخرجُ من قارورةِ الجَبْرِ ومِن كفِّ القضاءْ
زمنُ التّيه الذي يَرْتَجلُ الوقتَ ويجترّ الهواءْ،
كيفَ، من أينَ لكم أن تعرفوهْ؟
قاتِلٌ ليس له وجْهٌ / له كلُّ الوجوهْ...
حاضِنًا سنبلةَ الوقْتِ، ورأسي برجُ نارٍ:
مُنْهَكٌ أَلْتفِتُ الآنَ وأَسْتشرفُ - ما تِلك الخِرَقْ؟
أتواريخٌ؟ أبلدانٌ؟ أَراياتٌ على جُرْفِ الغسَقْ؟
هُوذا أقْرأُ في اللّحظةِ أجيالاً وفي الجُثّةِ آلاف الجُثَثْ
هوذا يغمرُني لُجُّ العَبَثْ؟
جسدي يُفْلِتُ من سَيْطرتي
لم يعدْ وجهيَ في مِرْآتِهِ
ودمي يَنْفُرُ من شَرْيانِهِ..
أَلأنّي لا أرى الضّوءَ الذي يَنقلُ أحلامي إليهْ؟
ألأنّي طَرَفٌ أقْصى من الكونِ الذي بارَكَهُ غيري وجَدّفْتُ
عليهْ؟
ما الذي يَجْتَثُّ أعماقي ويمضي
بين أدغالٍ من الرّغبة؟ بلدانٍ - محيطاتِ دموعٍ
وسلالاتِ رموزٍ؟
بين أَعْراقٍ وأجناسٍ - عصورٍ وشعوبٍ؟
ما الذي يفصلُ عن نفسيَ نَفْسي؟
مَا الذي يَنقضُني؟
أَأَنا مُفْتَرقٌ
وطريقي لم تعدْ، في لحظةِ الكشفِ، طريقي؟
أَأَنا أكثرُ من شخصٍ، وتاريخيَ مَهْوايَ، وميعادي
حريقي؟
ما الذي يصعدُ في قَهْقَهَةٍ تصعدُ من أعضائيَ المختنقهْ؟
أَأَنا أكثرُ من شَخْصٍ وكلٌّ
يسألُ الآخرَ: مَن أنتَ؟ ومِن أينَ؟
أأعضائيَ غاباتُ قتالٍ
... في دمٍ ريحٍ وجسمٍ وَرقَهْ؟
أجُنونٌ؟ مَنْ أنا في هذه الظُّلمة؟ علِّمْني وأَرْشِدْنيَ
يا هذا الجنونْ
مَنْ أنا يا أصدقائي؟ أيّها الرّاؤون والمُسْتَضْعَفونْ
ليتَني أقدِرُ أن أخرُجَ من جلديَ لا أعرفُ مَنْ كنتُ؟
ولا مَن سأكونْ؟
إنّني أبحثُ عن اسم وعن شيءٍ أسمّيهِ
ولا شيءَ يُسمّى
زمنٌ أعمى وتاريخٌ مُعَمَّى
زَمَنٌ طَمْيٌ وتاريخٌ حُطامْ
والذي يملكُ مملوكٌ، فسبحانَكَ يا هذا الظّلامْ.
حاضِنًا سنبلةَ الوقتِ ورأسي بُرْجُ نارٍ:
آخِرُ العَهْدِ الذي أمطَرَ سِجّيلاً يُلاقي
أوّلَ العهدِ الذي يُمطِرُ نفْطًا
وإلهُ النَّخْل، يجثو
لإِلهٍ من حديدٍ،
وأنا بين الإلهينِ الدّمُ المسفوحُ والقافلةُ المنكفِئَهْ
أَتَقَرّى ناريَ المنطفئة
وأرَى كيف أُداري
موتيَ الجامحَ في صحرائِه،
وأقولُ الكونُ ما ينسجُهُ حُلْميَ.. / تَنْحلُّ الخيوطْ
وأرى نفسيَ في مَهْوى وأَسْترسل في ليلِ الهبوطْ
طُرقٌ تكذِبُ، شُطآنٌ تَخونُ
كيف لا يصعقُكَ الآنَ الجنونُ؟
هكذا أَنْتَبِذُ الآكِلَ والأكْلَ وأرتاحُ إلى كلِّ مَتَاهْ
وعَزائي أنّني أُوغِلُ في حلميَ، - أَشْتَطُّ، أموجْ
وأغنّي شهوةَ الرّفضِ، وأهْذي
فَلَكُ الزُّهرةِ خلخالٌ لأِياميَ، والجَدْيُ سِوارٌ
وأقولُ الزَّهرُ في تيجانِهِ
شُرُفاتٌ...
وعَزائي أنّني أخرجُ - أسْتَنْفِرُ أفْعال الخُروجْ.
هكذا أَبْتدئُ
حاضِنًا أرضي وأسرارَ هَواها، -
جَسَدُ البحرِ لها حبٌّ له الشّمسُ يَدانْ
جَسَدٌ مُستودَعُ الرَّعْدِ ومَرْساةُ الحنانْ
جسدٌ وَعْدٌ أنا الغائبُ فيهِ
وأنا الطّالِعُ مِن هذا الرّهانْ
جَسَدٌ / غطّوا بضوءِ المطرِ العاشقِ وَجْهَ الأقحوانْ،
وَلْيَكنْ...
أحتضِنُ العصرَ الذي يأتي وأَمْشي
جامِحًا, مِشْيةَ رُبّانٍ, وأختطُّ بِلادي، -
إِصْعدوا فيها إلى أعلى ذُراها
إهْبطوا فيها إلى أَغْوارِها
لن ترَوْا خوفًا ولا قيدًا - كأنّ الطّيرَ غُصْنٌ
وكأنَّ الأرضَ طِفْلٌ - والأساطيرَ نِساءْ
حُلُمٌ؟
أُعطي لمن يأتون مِن بَعديَ أن يفتتحوا هذا الفضاءْ .
******************************************************
المهد
... إِذَنْ أَدْعُو إِلَى تَوَاطُؤِ الهَمْسِ وَالشَّمْسِ, العُنُقِ وَالأُفُقِ
إِذَنْ, أُشَبِّهُ غُمْدَانَ بِالنَّهَار, وَبَلْقِيسَ بِاللَّيْل, وَأَنَا بَيْنَهُمَا الهَدِيل.
1
شَجَرُ أَيَّامِهِ عَارٍ, وَالجذْرُ الَّذِي نَمَاهُ يَأْخُذُ شَكْلَ الصَّحْرَاء, وَهَا
هُوَ التَّارِيخُ يُلَفُّ بِالسَّرَاوِيل, وَالوطَنُ يُكْسَى بِالرَّمْلِ لَكِنْ هَذَا
الظَّاهِرُ لاَ يَعْرِفُ مَنْ هُوَ يَعْرِفُهُ بَاطِنٌ لَمْ يَحِنْ ظُهُورهُ بِالْغِيَابِ
يَمْتَحِنُ وَيَسْتَقْصِي, وَبِاسْمِ الحُضُورِ يسُنّ شَفْرَةَ الكِتَابَةِ وَيُحَزِّرُ
هَذِهِ الأَرْض.
إِنَّهَا مُهْرَةُ الحِبْر تَخبُّ فِي سُهُولِ الحُلْمِ, لَكِنْ لأَحْلاَمِهِ طَبِيعَةُ
الجِبَال مَحَارَاتٌ وَقَواقِعُ يلفظُهَا مَوْجُ الذَّاكِرَة الزَّبَدُ يَنْعَقدُ أَسَاوِرَ
في مِعْصَم الشَّاطىء, وَالصَّخْرُ صَنَّارَةُ الهَواء وَرَأَى أَنَّ لأَيَّامِهِ
جَسَدًا تَمْسَحُهُ الرِّياحُ بِرِيشِهَا, وَأَنّ دَرْبَهُ غَابَاتٌ تَحْتَرِقُ
كيْفَ يُحَرِّرُ هَذَا الأُفُقَ الَّذِي يَلْتَهِمهُ مِنْشَارُ الرُّعْبِ?
2
قَالَ أَنْسَلخُ مِنْ أَنْقَاضِي وَأَرْمِي نَرْدِيَ ( ... ), -
(عَلِي أَحْمَد سَعِيد, اسْمٌ يَمَانيّ),
سَمِعْتُ هَذَا مِرَارًا والنّقْشُ الَّذِي بَقِيَ مِنْ قَصْرِ غُمْدانَ يَعْرِفُ
اسْمِي وَالحَجَرُ الذِي نُصِبَ لِعَشْتَرَ يَتَذَكَّر اسْمِي لي فِي
تُرَابِ اليََمَن عِرْقٌ مَا طِينَتِي قَابِلَةٌ وَغَرِيزَتِي حُرّة, -
أَنَا الأُسْطُورَةُ وَالهَوَاءُ جَسَدِي الذِي لاَ يَبْلَى
هَكَذا ذَهَبْتُ مَعَ ظَنِّي الجَمِيلِ انْسَلَخْتُ مِنْ أَنْقَاضِي وَرَمَيْتُ نَرديَ
( ... ) /
هُوذَا أَتَوَهَّجُ مَع رَامْبُو بَيْنَ جَمْرَةِ عَدَنٍ وَتَبَارِيحِ المَنْدَب عاريًا
مِنِّي مَكْسُوًا بِهَا أَضِيعُ فِيهَا وَتَتَضوَّعُ فِيَّ -
عَدَنٌ / قَدمَاهَا موجٌ
جِذْعُهَا بَرَاكِين فَجْرُهَا يَطُوفُ سَاحَاتِهَا بِقَمِيصٍ مِنْ نَارٍ وَحِينَ
يَقْرَعُ بَابَكَ يَأْتِي مَحُمُولاً عَلَى أَجْنِحَةِ النَّوارِس تَنْهَضُ وَتَجْلِسُ مَعَ
شَمْسٍ تَجْمَعُ بَيْنَ حِكْمَةِ الغُرَابِ وَعُذُوبَة البجعِ تَرَى إِلَى البَوَاخِرِ
تَتَدَوَّر قِبَابًا تَكْتَنِزُ المُحِيط وَمِنْ كِتَابِهَا مَفْتُوحًا عَلَى مَدَى الزُّرقَة
تَسْمَع كَلمَاتٍ لَم تَأْلفْهَا تُفْرِغُهَا عَلَى صَفَحَاتِ الشَّوارِعِ رَافِعَاتٌ
وَعَرَبَاتٌ / مَحَابِرُ وَأَقْلاَمٌ مِنْ مَعْدَنٍ آخَر وَكُنْتُ أَسْمَعُ كَلِمَاتٍ
أُخْرَى تَتَسَاقَطُ عَلَى الأَرْصِفَة / يَمْتَلِىءُ وَجْهُهَا بِالْجِرَاحِ وَلاَ
شِفَاءَ لِرُضُوضِهَا وَبَيْنَ أَسْلاَكِ الحَدِيدِ وَأَسْلاَك القنّبِ يَتَصَاعَدُ
الصّخب:
عُمَّالٌ يَفْتَحُونَ خَزَائِنَ المَوْجِ
عُمَّالٌ يُفْرِغُونَ وَيَفْرِزُونَ
عُمَّالٌ يَحْزِمُونَ وَيُكَوِّمُونَ
وَتَرَى إِلَى العرقَ يَتَدَحْرَجُ عَلَى جِبَاهِهِمْ وَأَعْنَاقِهِم وَتَتَمَرْأَى فِيهِ
كَأَنَّكَ تَتَمَرْأَى فِي مَاء عَالمٍ جَدِيد وَتَرَى إِلَى طُيُورِ البَحْرِ تَتَكَتَّبُ
وَتَهْجُمُ تُرِيدُ أَنْ تُشَارِكَ فِي هَذِهِ الضجَّةِ الخَالِقَة وَتُنْسِيكَ طَلاَسِمُ
التّقْنِيَةِ الَّتِي تَكْتُبُ المَدِينَة طَلاَسِمَ كُنْتَ تَتَوَسَّلُهَا فِي طُفُولَتِكَ لِتَقْرَأَ
الغَيْبَ
... / وَأَخَذَتْ عَدَن تَتَرَاءى قَصِيدَةً لَمْ تُكْتَب وَكَانَ رَامْبُو قَدْ حَاوَلَ,
- اسْتَخْرَجَ حبرًا آخَرَ مِنْ كِيمِيَائِهَا, لَكِنْ خَانَتْهُ كِيميَاءُ العَصْر.
3
أَتَحَدَّثُ مَعَ عَدَنٍ وَتُوحِي إِلَيَّ صَنْعَاء تَسِيرُ مَعَكَ الأُولَى وَتُقْبل
إِلَيْكَ الثانيةُ فيما تَجْلِسُ حَوْلَهُمَا الجِبَالُ كَمثلِ شُهُبٍ هَدَّهَا
السَّيْرُ.
صَنْعَاءُ - تسنُدُني أَشْجَارُ السِّدْر تُظَلِّلُنِي أَشْجَارُ العَرْعَر
تَحضنُنِي بُيُوتٌ أَعْشَاشٌ تُوَاكِبُنِي مدَرَّجَاتٌ سَلاَلِمُ وَحِينَ أَنْخَفِضُ
فِي تِهَامَةَ وَأَلْتَبِسُ بِعُشْبِ الأَقَالِيم تَتَخَطَّفنِي نَبَاتَاتٌ تَتَآلفُ مَعَ
الصَّخْرِ وَنَبَاتَاتٌ تَعشقُ الملوُحَة وَتَنْفَجِرُ أَمَامِيَ الأَوْدِيَةُ حُقُولاً
فَيْضِيَّةً - وَهَا هِيَ المِيَاهُ أُمَّهَاتٌ يُرْضِعْنَ النَّخِيلَ وَالأَثْلَ الأَرَاكَ
والطَّلْحَ وَيُرْضِعْنَ حَشَائِشَ لاَتَفْقَهُهَا اللُّغَة
صَنْعَاءُ, - أَسْتَسْلِمُ لِمُهْرَة الحِبْرِ وَأُلْقِي رَأْسِي عَلَى خَاصِرَةِ
أَحْلاَمِهَا: هَلْ أَهْمِسُ لِبَلْقِيسَ أَنْ تكْسِرَ عَقْرَبَ الوَقْتِ? هَل الذَّاكِرَةُ
بلْقِيسُ هَلْ بلْقِيسُ النّسْيَان? هَلْ بَلْقِيسُ نَجْمَةُ العَصَب هَلْ هِيَ
أَنِينُ القَصَب? هَلْ هِيَ الضَّوْءُ تُفْرِزُهُ شَمْسٌ لاَ تَتْرُكُ أَثَرًا
لِخُطُوَاتِهَا? هَلْ هِيَ الحَنَانُ يَدْفُقُ عَارِيًا وَأعْزل كَمَاء اليَنَابِيع?
هَلْ هِيَ المنْجَلُ يَحْصُدُ الظَّلاَم? السُّؤَالُ يجمَح وَلاَ أعْرفُ كَيْفَ
أُرَوِّضُهُ.
لِي فِي تُرَاب اليَمَن عِرْقٌ مَا,
وَاْلخَرِيفُ الذِي يَتَسَاقَطُ مِنْ أَعْضَائِي وَرَقٌ يَكْتُبُهُ مَهَبُّ المَرَارَات
يَتَسَاقَطُ فِي خَيْطٍ يَجِيءُ مَنْ جَنَائِنَ عُلِّقَتْ بِقَدَمَيْ كَوْكَبٍ تَائِهٍ,
جَنَائِن تَنْعَكِسُ فِيهَا الفُصُولُ وَتَعُومُ أَشْلاَءُ النَّهَارِ وَاللَّيْل جَنَائِنُ
أَجْهَدُ فِيهَا أَنْ أُعَرِّيَ الرَّقِيمَ وَالكَهْف أَنْ أُلاَمِسَ نَصْلَ اللَّقَاحِ
حَيْثُ يَرْقُدُ غُبَارُ الطَّلع أَجْهَدُ أَنْ أَكْتَشِفَ وَحْدَةَ الشّفَاه بَيْنَ الزَّهْر
والنَّحْل وَأَنْ أَنْقُشَ الجَانِبَ الآخَرَ مِنْ عُمْلَةِ السرّ
لِي فِي تُرَاب اليَمَن عِرْقٌ مَا,
هَلْ يُجْدِي هَذَا الجَيْشُ الَّذِي أَتَقَدَّمُهُ فِي جَبِينِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ حَيْثُ
يَخْرُجُ طَائِرُ الرِّغْبَة نَحْوَ سَمْتٍ مِنَ السَّرْخَسِ وَدوًَّار الشَّمْسِ?
هَلْ يُجْدِي ذَلِكَ الحُزْنُ الَّذِي أَصْقُلُ صَفَائِحَه بِأَهْدَابِي? خَيْرٌ
لِي أَنْ أَتَوَتّرَ قَوْسًا لِسَهْمٍ أَحْتَارُ فِيهِ مِنْ أَيْنَ وَكَيْفَ خَيْرٌ لِي أَنْ
أَرْسُمَ خَرِيطَةَ أَحْشَائِي وَأَتَنَقَّلَ بَيْنَ تُخُومِهَا فِي هَذَيَانٍ أُهَنْدِسُ
عَمَارَاتِهِ وَأَفْرِضُ عَلَيْهَا ضَرِيبَةَ المَفَاتِيح
هَكَذَا أُطْعِمُ كَائنَاتِي خُبْزًا آخَرَ وَأُغَيِّر آدَابَ المَائِدَة وَحِينَ
يَجْلِسُ الزَّمَنُ إِلَيْهَا أُعَدِّلُ جلْسَتَهُ مَاسِحًا كَتِفَيْهِ بِحَنَانِ شَيْخٍ
يَمُوتُ ثُمَّ أَمْلأُ الكُؤُوسَ بِخَمْرةِ الفَجِيعَة وَأُنَادِم الرَّفْض
لِي فِي تُرَاب اليَمَنِ عِرْقٌ مَا,
أَقْدَامُ حَدِيدٍ تَسْقُفُ المَكَانَ
نِسَاءٌ يَنْقُشْنَ قُبُلاَتهنّ عَلَى شَفَتَيْ
عَصْرٍ يَتَغَطَّى بِالإِسْمَنتْ
لَيْسَ لذِي يَزَنٍ إَلاَّ أَنْ يُغَالِبَ أَسْوَارًا يُحْتَضَرُ وَرَاءَهَا الأَسْرَى
وَإِلاَّ أَنْ يَسْتَطلعَ الدُّرُوبَ فِي آثَارِ خُطُوَاتِهم لَيْسَ لَهُ إِلاَّ أَنْ
يُكَرِّرَ قِرَاءاتِهِ لأَبْجَدِيَّة الغُبَار
صَنْعَاءُ, - نَوَافِذُ بِلُطْفِ الطُّفُولَةِ مَمَرَّاتٌ كَأَنَّهَا الكِتَابَةُ وَبَيْنَ
الخَطّ وَالخَطّ فَوَاصِلُ وَحَرَكَاتٌ تُوَشْوِشُ, -
لِلْقَنَاطِر خُيُولٌ وَهَذَا القَوْسُ حَاجِبَانِ وَثَمّةَ أَقْمَارٌ تَقْفِزُ مِنْ
أَعَالِي البُيُوتِ وَمِنْ أَطْرَافِ المَآذِنِ يَنْكَسِرُ شُعَاعُهَا وَيَلْتَئِمُ
غَلاَئِلَ وَعَبَاءاتٍ
وَفِي الأَزِقَّة المَرْصُوفَةِ بِأَسْنَانِ تَارِيخٍ شيخٍ كُنْتُ أَتَخَيَّلُ وَقْعَ
قَدَمَيَّ مَمْلُوءًا بِأَشْبَاحٍ لَهُنَّ هَيْئَةُ الكَواكِبِ.
4
- (حَقّ العشْرِين بِعَشْرَه, يَابَلاَشْ يَابَلاَشْ) / يُكَرّر طِفْلٌ
نِدَاءَاتِه يَسْحَبُ خُيوطَ صَوْتِهِ بَيْنَ سُوق البَزّ وَسُوق النُّحَاس
فِيمَا يَرْفَعُ مَرآتَهُ الصَّغِيرَةَ فِي اتِّجَاهِ شَمْسٍ تتسكّعُ
بين الأَرْجُل وَفِي أَرِيجٍ مِنَ البَهَارَات تَتَشَابَكُ الأَسْوَاقُ أَوْرِدَةً
وَشَرايِين في هذا الجِسْمِ الذِي لَيْس مِن وَاقِعٍ وَلاَ حُلْمٍ.
صَنْعَاءُ, - آخذُكِ بَيْنَ ذِرَاعيَّ
نَمْشِي مَعَ رِجَالٍ يَرْفَعُونَ
النَّهَارَ مِظلَّةَ أَحْزَان
مَعَ نِسَاء يَحْمِلْنَ عَلَى أَكْتَافِهِنَّ
هُمُومًا بِلَوْنِ الزَّبِيبِ
وَلَيْسَ لأَقْدَامِهنَّ إِلاَّ شَهْوَةٌ
وَاحِدَة: أَنْ تقبِّلهَا الرِّيح
قَنَادِيلُ وَجَامِعُ أَرْوَى يتَّكِىءُ عَلَى رِيَاضِيَّاتِ سَبأ
قَنَادِيلُ انْطَفَأَتْ وَلَهَا شَرَارَةُ الوَحْي
أَقْرَأُ أَسْرَارَهَا مَتْنًا مَتْنًا
وَأُرْجىءُ الهَوَامِشَ وَالتَّفَاصِيلَ
ثمَّةَ عَصْفٌ مَا وَأَسْألُكِ
أَيَّتُها القَنَادِيلُ أَيْنَ السَّاهِرُونَ وَمَنْ يُمْسِكُ بالزِّناد?
أَوَّلُ السُّوق / مَهْلاً - لَيْسَ هَذَا مَاءً بَلْ دَمٌ لَيْسَ هَذَا جِدَارًا بَلْ
العَمُودُ الفِقَرِيّ لِرَجُل قَالَ مَرَّةً كَلاّ
آخِرُ السُّوقِ / امْرَأَةٌ كَوْكَبٌ آبنُوسِيٌّ يَسْبَحُ فِي أَثِير التنهُّدَات
- (أَلَنْ نَلْتَقِي بَعْدُ?)
تَرَكْتُ اللَّيْل يَنَامُ عَلَى عَتَبَةِ بَيْتِهَا فِيمَا كَانَت نَجْمَةٌ تَتَهَيَّأُ لِكَيْ
تَقْتَحِمَ غُرْفَتِي وَتقْرَأَ جَسَدَهَا عَليَّ
وَكَانَتِ الأَسْوَاقُ تَهْدِرُ وَتَتَمَوَّجُ فِيمَا كُنْتُ أَسْتَعِيد
قَوْلَ الهَمَدَانِيّ:
(لاَ تَلْحَقُ بِحَسْنَاء صَنْعَاءَ امْرَأَةٌ مِنَ العَالَم).
أَتَحَدَّثُ مَعَ صنْعَاءَ وَأَتَجَوَّلُ فِي عَدَن,
صَيَّادُونَ يَرْسُمُونَ ظِلاَلَهُمْ عَلَى البَحْرِ
حَضَرٌ وَبُدَاةٌ يَسْتَنْطِقُونَ
جَسَدَ المَادَّة وَيَرُجُّونَ ذَاكِرَةَ الشَّوَاطِىء
تَنْفُرُ أَحْلاَمُهُم أحْصِنَةً تصْهلُ, -
فَرَسُ شَهْوَةٍ
شُعَاعُكَ أَيُّهَا التَّارِيخُ وَقِشْرَتُكَ تُعَاكِسُ شَهَوَاتِنَا
لَكِنَّ سِلاَحَكَ صَدَأ وَنَحْنُ صَوَّانُ الرَّغَبَات
نَخْتَارُكَ أَيُّهَا الصَّوّان بَيْنَ مُلْكِ الصَّحْرَاء بِكَ
تَسَمَّيْنَا انْشِقَاقًا بِكَ فَكَّكْنَا بِكَ تَمَاسَكْنَا وَالتَحَمْنَا
وَأَنْتَ فِينَا شَقِيقٌ لِلْمَاء (الصّوانُ مَاءٌ جَامِدٌ المَاءُ
صوَّانٌ سائِل)
أقُولُ عَدَنٌ وَصَنْعَاءُ وَأُضْمِرُ هَذَا المرَكّبَ - المَهْد /
(... نَحْنُ آسِيَا وَأَفْرِيقيَا مَغْسُولَتَيْنِ بِمَاء المُسْتَقْبَل
مَكْسُوَّتَيْنِ بِسَعَفِ البِدَايَات وَلَسْنَا مِنْ عَصْرِ
المَعْدِن بَلْ مِنْ عَصْرِ الإِنْسَان)
أَقُولُ عَدَنٌ وَصَنْعَاءُ وَأَعْنِي هَذَا المرَكّب - المهد /
- كَيْفَ لِغُمْدَانَ أَنْ يظَلَّ شَابًّا مُنْذُ آلافِ السَّنَواتِ?
- كَيْفَ أجِيبُ وَأَنَا (حَصَّنْتُ غُمْدَانَ بِمُبهَمَات?)
(إكْلِيل الهَمَدَانِي)
صَنْعَاءُ, - مِنْ هُنَيْهَةٍ رَأَيْتُكِ فِي صُورَةٍ وَالآنَ
تَتَحَوَّلِينَ أَنْتِ الثَّوبُ يُفْتَقُ وَيُرْتَقُ بِرَفَّةِ الهُدِْبِ وَمَا
أَغْرَبَ الخَلِيطَ الذِي يُنْسَجُ هَذِهِ اللَّحْظَة /
سُوق الحَرِير, -
امْرَأَةٌ مِن جِنّ سَبَأ
ثَوْبُهَا تَعْرِيشُ بَطرٍ وَتَخْرِيمُ
شَهَوَاتٍ حَافِيَةٌ وَكُمَّاهَا طَائِرَان
لَوْحٌ: (أَبْكَارُ النِّسَاء كَإِنَاثِ الخَيْل
لاَ يَسْمَحْنَ إِلاَّ عَنْ صَهِيلٍ
وَمُغَالَبة) (بلقِيس)
سُوق الحَبّ, -
نَقْشٌ: (هَذَا العَالَمُ لاَ يَحْلُو فِي عَيْنِي
وَمَا لاَ يَحْلُو فِي العَيْنِ لاَ يَحْلُو فِي الفَمِ).
سُوق الذَّهَب, -
لَوْحٌ: (كلّ قَرِيبٍ شَاسِعٌ)
نَقْشٌ: (يَزْهَدُ العَاقِلُ كَأَنَّهُ المَوْت
وَيَعْمَلُ كَأَنَّهُ الأَبَدُ).
سُوق الفِضَّة, -
نَقْشٌ: (يُوقِنُ الصَّائِغُ لِيُصْلحَ نَفْسَهُ
وَيُتْقِنُ ليُصْلح الدُّنْيَا).
سُوق القَات, -
رُقْعَة: (تُدْرِكُ يَدَايَ مَا لاَ تَرَاهُ عَيْنَايَ).
سُوق العطارةَ, -
رُقْعَة: (يَذْهَبُ عَنِّي مَا أُرِيدُ وَيَأتِينِي مَا لاَ أُرِيدُ)
سُوق الزَّبِيب, -
نَقْشٌ: (أَنَا رَاعِي الحَيّ فَإِذَا سَكرتُ ضَاع).
سُوق الحَنَّاء, -
لَوْحٌ: (مَا لَوْنُ الربّ?) (بلْقِيس)
لِي فِي تُرَاب اليَمَن عِرْقٌ مَا,
أَهْبِطُ مَعَهَا إِلَى البِدَايَات كَيْ أُحْسِنَ اكتِشَافَ مَا
يَأْتِي
شَقَائِقُ نُعْمَانٍ
سِلاَلُ عِنَبٍ تَنْهَضُ مِنْ أسِرَّةِ التِّلاَلِ
نَهْدَانِ يَسْتَعْجِلاَنِ القطَاف
وَوَرَاءهمَا يتَفَتَّتُ فَخَّارُ الأَزْمِنَة
شُكْرًا لِلْحَيَاة وَلَيْلِهَا
المُزْدَوِجِ شُكْرًا لِحِكْمَةِ صَوّانٍ يَسْتَوْهِمُ أَنَّهُ
صَدِيقِي
وَأَنْتِ حَاذِرِي أَنْ تَبْتَرِدِي - أُغَطِّيكِ يَا أَسْرَارِي
صَنْعَاءُ, - حَقًّا تُقِلِّني
الرِّيح أَتَعَلَّمُ مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَمَنْطِقَ كُلّ شَيْء
تَسِيرُ مَعِي الجِبَالُ وَتَجْلِسُ وَرَائِيَ الجِنّ.
5
اهْبِطْ, أَيُّهَا الشَّاعِرُ, إِلَى الكثيبِ
الأَحْمَر فِي أَسْفَلِ وَادِي الأَحْقَافِ, وَاسْأَلْ
قَبْرَ هُود: مَنْ أَنْتَ, وَمِنْ أَيْن?
إِيلِ / عَلِي
أُقْسِمُ بِهَذَا الوَادِي, كُنْتُ أَسْتَطِيعُ مُتَوكِّلاً عَلَى
امْرِىء القَيْس, أَن أَتَسلَّقَ الفَضَاءَ وَأَنْ أَخْتَرِقَهُ,
وَلَسْتُ سَاحِرًا وَلاَ أَدَّعِي النبُوَّة.
كَانَتْ أَطْرَافِي قَدْ امْتَلأَتْ بِلَيْلِ حَضَرمَوْت,
وَازَّينَتْ حَوَاسِّي
وكُنْتُ اسْتَيْقَنْتُ أَنَّ اللَّيْلَ فِيهَا لَيْسَ مَغِيبًا
لِلشَّمْسِ وَأَنَّ السَّمَاءَ فَوْقَهَا لَيْسَتْ قُبَّةَ الأَرْضِ بَلْ
ثَوْبُهَا الَّذِي يَلْتَصِقُ بِجَسَدِهَا -
(يَا لَلْجَسَد - هَادِرًا بِنَشِيدِ الْبِدَايَاتِ
لاَ تَتَّسِعُ لِخُطُوَاتِهِ سَاحَةُ الوَقْتِ,
يَا لَلْجَسَدِ مَوْجًا يُزَحْزِحُ شطْآنَ التَّارِيخ);
إِنَّهَا النُّجُومُ تَهْبِطُ إِلَيَّ,
وَهَا أَنَا أَتَشَرَّدُ مَعَهَا,
يَحْرِسُنِي التّرَاب نَفْسُهُ,
وَسِلاَحُهُ الخَطّ المُسْنَدُ, وَالنُّقُوشُ, والتَّمَاثِيلُ,
وَفِي كُلِّ نَاحِيةَ مِنْ كِنْدَةَ يُدَنْدِنُ امرؤُ القَيْس
شفتَاكِ, فَاطِمُ, عَسَلُ دَوْعن
نَهْدَاكِ تَمْرٌ مَدِينِيّ
وَظَنِّي أَنّ هَذَا المَدَى الذِي ينْسجُهُ المَدَرُ قَدْ فَهِم
طِينَتِي
وَأَنْتِ, يَا فَاطِمُ, سَأُسَمِّيكِ فِي هَذَا الوَادِي
بِاسْمٍ تَجْهَلُهُ الشِّفَاهُ
وَأَنْتَ يَا جَسَدِي, سَأَكْتُبُ بِالخَطِّ المُسْنَدِ رَسَائِلَ
شَوْقِكَ إِلَى المَعْنَى.
اهْبطْ أَيُّهَا الشَّاعِر
الفَضَاءُ بَيْتٌ تَسْقفُهُ أَحْلام النّسَاء
وَالقَمَرُ يَتَسَلَّقُ الجُدْرَان,
وَيُوَصْوِص مِنَ النَّوَافِد, -
وَهَا هِيَ الأَزِقَّةُ وَالحُقُولُ تَسْهَرُ كَمِثْلِ الكُتبِ التِي
تخْتَصِرُ الطَّبِيعَة.
سَيؤُون تَرِيم شِيبَام
أَبْوَاقٌ مِنْ عَالَمٍ آخَرَ تَصْدحُ تَحِيَّةً لِلْعَنَاصِرِ
الأَيَّامُ تَنْزِلُ عَلَى سَلاَلِمهَا كَمثلِ الأَطْفَالِ,
وَمُنْذُ أَنْ تَصِلَ الشَّمْسُ إِلَيْهَا,
تَجْلِسُ عَلَى عَتَبَاتِهَا وَتَتَنَهَّدُ كَأَنَّهَا لاَ تُرِيدُ
أَنْ تَنْهَضَ
اهْبِطْ أَيُّهَا الشَّاعِرُ, -
أَظُنّ أَنّ ذَاكِرَتِي تَسِيلُ فِي وَادِي الأَحْقَافِ
أَظُنُّ أَنَّ الزَّمَنَ يَنْكَسِرُ بَيْنَ يَدَيَّ كَمِثْلِ قَضِيبٍ
يابِسٍ
أَظُنّ أَنّ الجِبَالَ التِي تُظَلِّلُ
أَحْمَد بْنَ عِيسَى المُهَاجِر,
جَاءتَ تُشَارِكُنَاالدَّانَ فِي فُنْدُق سَيؤُون,
ذَلِكَ المَسَاءَ, وَتَرْقُصُ
فِي طَرَبٍ شِبْه صوفِيّ,
أَظُنّ أَنَّنِي قُلْتُ: لاَ شَكَ أَنَّنِي سَلِيلُ مُوسِيقَى
خَرَجَتْ مَرَّةً
مِنْ حُنْجَرَةِ السَّمَاء, ثُمّ آثَرَتْ ألاَّ تَعُود
- أيّتُهَا المُوسِيقَى,
أَهْلاً بِكِ عَلَى هَذِهِ الأَرْض, فِي دَارِ هِجْرَتِنَا
الدَّائِمَة.
وَالآنَ,
جَاءَتِ الشّفَافِيَةُ تَحْمِلُنِي وَتَتَعَالَى أقْدِرُ أَنْ أَتَحَوَّلَ
أن أتَمَاهَى وَمِثْلَمَا كُنْتُ الطيِّعَ أقْدِرُ الآنَ أَنْ أكُونَ
الآمِرَ أَقُولُ لِكُلِّ طينَةٍ كُونِي صُورَةً لِكُلِّ صُورَةٍ
تَكَوَّنِي أُعْطِي لِلأَشْيَاء حَرَكَاتِي وَأَهْوَائِي
يَمْتَلِىءُ كُلّ شَيْء بِضِيَاء هذِهِ الخَلِيقَةِ وَأَكُونُ قَدْ
عَرَّيْتُ الزَّمَنَ /
رَمَيْتُ ثَيَابَهُ الحِجَازيّة فِي خِزَانَة بلْقِيس
وَنَثَرْتُ أَيَّامَه النّجْدية فِي مَأرِبَ وَمَا حَوْلَهَا
وَأَكُونُ قَدْ أَجْرَيْتُ عَلَيْهِ ماءَ تَكْوِينٍ آخَرَ,
وَكَسَوْتُهُ بِأَنْفَاسِ لُغَةٍ ثَانِيةٍ -
هَكَذَا أَتَكَلَّمُ بِطَرِيقَةٍ تُجسِّدُ
أَصْدِقَائِي شُعَرَاءَ الْجَاهِلِيَةِ (أَقْصِدُ شُعَرَاءَ
البَصِيرَةِ وَالهُيَامِ والرِّغْبَةِ) أَقُولُ لِكَلِمَاتِي أَنْ
تَنْتَشِيَ فِي مَكَانِهَا بَيْنَ شَفَتَيَّ وَهَذَا الضَّوْء الذِي
يَجِيئُهَا مِنْ أَشْيَاء الوَاقِعِ أُغْرِيهَا بِالسَّفَرِ فِي
وَحْشِيّةِ سُقُوطٍ لَيْسَ إِلاَّ صُعُودًا آخَر
حَيْثُ نَرَى لِلرِّغْبَةِ جَسَدًا يُولَدُ فِي الجَسَد
حَيْثُ نقْدر وَرَاءَ كَلّ حِجَابٍ أَنْ نُحَيِّي امرؤَ
القَيْس,
وَنَسْتَشِفّ عُمَر بْنَ أَبِي رَبِيعَة,
وَحَيْثُ نَسْمَعُ الحَجَرَ وَالمَاءَ يَتَحَدَّثَانِ دَائمًا عَنْ
يُوسُفَ وامْرأَةِ العَزِيزِ, -
سَلاَمًا حضرَمُوت -
أَيَّتُها العَيْنَان السَّوْدَاوَان في هَذَا الرّأسِ الأَزْرَقِ
الذِي سُمِّي السَّماء,
أَيَّتُها المَرْأَةُ التِي تَغْتَسِلُ بِعَسَل دَوْعن,
حِزَامُهَا بَحْرُ العَرَب
وَخَلْخَالُهَا المَوْج.
6
... / إِنَّهَا سَاعَةُ المَقِيل, - أَرْبِطُ مُخَيِّلَتِي بِتِلْكَ
الخضرَة وَأُخْلِي جسْميَ من دَبِيبِ الهَوَاجِس
مَاذَا? فِي قَرَارَاتِي وَخْزٌ
(نَاسٌ يَأْكُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثَمَنُ الرَّأْس منْدِيل وَلاَ
شَيْءَ إِلاَّ السِّلاَحُ وَالصّياحُ)/
هَلْ أَجِيءُ مِنْ دَاء لا يَشْفَى?
وَخُيِّلَ إِليَّ أَنَّنِي أَسْمَعُ صَوْتًا يلفظهُ قَيْءُ
الصَّحْرَاء يَتَحَدَّثُ عَنْ قَمَرٍ صِنَاعِيّ اسْتَقَالَ مِنَ
الجَاذِبيّة عَنْ مسْتَوْصَفَاتٍ للِنِّسَاء
الآليّات عَنْ فَنَادِقَ لِلْكِلاَبِ وَأَعْرَاسٍ لِلْقِطَطِ
وَتَرَاءَتْ لِي جُذُوعٌ بَشَريَّةٌ مَبْتُورَةٌ تَلْتَئِمُ حَوْلِيَ تَارَةً
وَتَتَمَزَّقُ تَارَةً فِي أَحْشَائِي وَكُنْتُ كَمَنْ يَسْبَحُ فِي
شَرْق تَثْقُبُهُ بُحَيْرَاتُ الدَّم وَشُبِّهَ لِي أَنَّنِي فِي
مهْرَجَان أَعْنَاقٍ تَحْتَفِلُ بِذَبْحِهَا دُونَ أنْ تَدْرِي
وَتَمْتَمْتُ: أَنْ تَكْتُبَ هُوَ أَنْ تُهَرِّبَ الكَلاَم /
لَنْ تُغْرِينَي أَيُّهَا المَلاَكُ وَالشَّيْطَانُ أعْقَلُ مِنْ أَنْ
يُوَسْوِسَ إِلَيَّ عَيْنَايَ تَفِرَّانِ إِلَى الأَمَامِ
وَقَدَمَايَ نَشْوَةٌ وَرَقْص الإِيقَاعَ الإِيقَاعَ
وَلْنَرْقُصْ فَوْقَ رَمَادِ هذِهِ الأَزْمِنَة
هَكَذَا ذَهَبْتُ مَعَ ظَنِّي الجَمِيل
فجْأَةً رَأَيْتُنِي
أَسْتَسْلِمُ لأَلَقِ لَحْظَةٍ تَنْضَحُ بِرَائِحَةِ عُودٍ يُؤَاخِي
بَيْنَ النّسْيَانِ وَالذِّكْرَى وَأُصْغِي إِلَى حَكِيمٍ يُمْلِي -
- (كَلاَّ, لَنْ تَجِدَ الطَّبِيعَةُ زُهُورًا جَدِيدَةً إِلاَّ فِي
جِرَاحِنَا كَلاَّ لَنْ يحْظَى تَارِيخُنَا بِنَبْضِهِ إِلاَّ
فِي مَنْفَانَا).
وَحَسِبْتُ أَنّ آسِيا العَجُوز تَجْلِسُ فِي رِوَاقِ أَرْوَى
والفُصُولَ تَتَبَادَلُ قُمْصَانَهَا بَيْنَ ذِي يَزَنٍ وَعَشْتَار.
.../ إِنَّهَا سَاعَةُ المَقِيل, -
أَيَّتُها الإِيقَاعَاتُ الطَّالِعَةُ مِنَ الأَوَائِل أَمْتَزِجُ بِك
وَأُضِيفُ بَصِيرَتِي إِلَيْكِ أَتركُ لأَوْتَارِي أَنْ تَصْهَركِ
طِينَةً ثَانِيَةً وَمِنْ هَذَا الرِّوَاقِ الَّذِي نَرْعَاهُ أَصْدِقَائِي
وَأَنَا نكتبُ لِتِلْكَ الجِهَة المَطْمُوسَةِ مِنْ عُرُوبَةِ القَلْبِ
لأُولَئِكَ المسْحُوقِينَ يَمُوتون وهُمْ يَتَقَاسَمُونَ الرَّغِيفَ
لأُولَئِكَ التَّائِهينَ يَسْقُطُونَ وَهُمْ يَتَشَبَّثُونَ بِالأَعَالِي
يُشاركونَ الحُقُولَ كَآبَةَ الجَدْبِ وَيُصَادِقُونَ الهَوَاءَ
لأُولَئِكَ المَنْبُوذِينَ يَنْتَعِلُونَ الأودية وَيَلْتَحِفونَ الجِبَال
... / إِنَّهَا سَاعَةُ المَقِيل, -
تَنْهَضُ فِي قَصَائِدِنَا أَبْوَابٌ وَشُرُفَات نَكْتَشِفُ
زَوَايَا مِنْ جَسَدِ صَنْعَاء لاَ تَزالُ عَصِيَّةً عَلَى
الصُّور نَسْمَعُ كَلِمَاتٍ فِي حُنْجُرَةِ عَدَنٍ لاَ
شَوَاطِىءَ لَهَا
- بِلاَدٌ نَاقَةٌ تَرْعَى أَعْشَاب الفِقْه /
الصَّحْرَاء تَابُوتٌ يَتَنَقَّلُ عَلَى رُؤوسِنَا وَاللُّغَةُ بَبَّغَاءُ
فِي قَفَصِ الرُّعْبِ
- كَيْفَ نَخْتَرِقُ هَذَا الرّبْعَ الخَالِي? أَيْنَ لُقْمَانُ
وَحِكْمَتُهُ? هَلْ عَلَيْنا أَنْ نجْدلَ شعْرَ السَّمَاء أَعِنَّةً
لِخُيُولِنَا? أَنَّ نَصْرخَ بِالنُّجُومِ مُدّي أَيْدِيَكِ إِلَيْنَا?
هَلْ عَلينا أنْ نَشُقَّ القَمَر?
- مِنْ أَيْنَ لِنَمْلَةٍ أَنْ تُغْرِيَ نَسْرًا?
- نُنَاضِلُ كَمن يُقَاتِلُ الغُبَار كَمن يَكْتُبُ أَبْجَدِيَّة الرَّمْلِ
كَمن يَرْضع ثَدْيَ الحَجَرِ
- ألْوَطَنُ فُرْنٌ يُطْبَخُ فِيهِ مَنْ يَجِيءُ لإِيلاَفِ مَنْ يَرُوح
- لَيْتَ السَّمَاءَ تَمْرٌ
إِذَنْ كُنَّا أَكَلْنَاهُ وَاسْتَرَحْنَا
- مَا أَنْتِ وَمَنْ أَيَّتُهَا الشَّجَرَة?
- رُبَّمَا كُنْتُ حَبْلَ سُرَّةٍ بَيْنَ رَحِمِ اليَأْسِ وَسَرِيرِ
الغِبْطَة رُبَّمَا كُنْتُ لُغَةً يَلُوذُ بِهَا الحَيّ فِي حِوَارِهِ
مَعَ المَيِّتِ رُبَّمَا كُنْتُ لَوْنًا يُوَحِّدُ بَيْنَ قَوْسِ قُزَحٍ
وَقَوْسِ الأَيَّامِ رُبَّمَا كُنْتُ إِكْسِيرًا
يَتْرُكُ لِكُلِّ شَيْء أَنْ يَسْبَحَ فِي شِعْرِهِ الخَاصّ
- إِذَنْ مَا شَكْوَاكَ أَيُّهَا القَاتُ الصَّامتُ?
- ... أَنّ صَدِيقِي الوَقْتَ أَقَلُّ اخْضِرَارًا مِنِّي /
هَكَذَا نَسْتَنْبِتُ قَاتًا آخَرَ لاَ مِنَ الأَرْضِ
لاَ مِنَ النَّبَاتِ بَلْ مِنَ الصَّبْوَةِ وَانْفِجاَرَاتِها, -
نَشْوَةٌ: حِينَ تَأسرُكَ العَاصِفَةُ اسْتَسْلِمْ,
لَكِنْ كُنِ الوَتَرَ الَّذِي يَعْزِفُ الرِّيحَ,
حِكْمَةٌ: الغبَارُ حِكْمةُ الَيدِ وَالعَتَبَةُ غَرِيزَةُ القَدَم.
أُمْثُولَة: أرْضَعَتِ الشَّمْسُ عَدَنًا وَنَسَجَتْ لَهَا
غَلاَئِلَ لاَ تَخْرِقُهَا أَظَافِرُ الدّهْر.
شَطْحَةٌ: النُّجُومُ فِي صَنْعَاءَ قَطِيعٌ
وَالقَمَرُ رَاعٍ يَتَوَكَّأ عَلَى عَصَاهُ وَرَاءَ سِيَاج
الفَضَاء.
مُكَاشَفَة: لِكَيْ لاَ تَتَعَثَّرَ فِي طَرِيقكَ أَوْ تَسْقُطَ
قُلْ لِقَلْبِكَ أَنْ يَتَرَجَّلَ وَيَمْشِي أَمَامَك
لِي فِي تُرَابَ اليَمَنِ عِرْقٌ مَا /
مِنْ أَجْلِ شَوَارِعَ تَرْتَسِمُ شَامَاتٍ فِي وَجْهِ النَّهَارِ
مِنْ أَجْل لَيْلٍ يَلْبسُ النُّجُومَ قَلاَئدَ وَأَقْرَاطًا
مِنْ أَجْلِ أَرَاغِنَ تَضْحَك وَتَبْكِي فِي سِرِيَرةِ كُلّ شَيْء
مَنْ أَجْلِ غَرَابَةٍ تُهَيْمِنُ عَلَى أَحْشَائي
مِنْ أَجْلِ أَيْدٍ تَنْسُجُ البُكَاءَ خِيَامًا لِلْحُلْمِ
مِنْ أَجْلِ مَجْهُولٍ أَنْغَرِسُ فِيهِ وَتَنْغَرِسُ أُرُومَة الخَلْقِ
أَقُولُ فِي تُرَاب اليَمَنِ
لِي عِرْقٌ مَا,
وَأَنْتَمِي إِلَيْهِ
بَلَدًا بَلاَ عُمُرٍ
كَأَنَّهُ وَجْهُ الله.
هَكَذَا نَنْضجُ فِي خَابِيةِ الزَّمَنِ يَكْتُبُ دَمُنَا مَا لاَ
تقْدرُ أَنْ تَمحُوَهُ
أَيْدِينَا وَكَيْفَ أَكُونُ المُفْرَدَ وَمَا أَنَا, إِنْ لَمْ أَلْبس
الشُّخُوصَ كلّهم إِنْ لَمْ أَكُنْ هَذَا الجَمْعَ? انظُرُوا
إِلَى المَشْهَدِ يَتَحَرَّكُ فيه الخَلِيفَةُ وَالإِمَامُ القَاضِي
وَالفَقِيهُ المُشَرِّعُ وَالشُّرَطِيّ الأَمِيرُ وَالجنديّ
أَعْنِي يَتَحَرَّكُ المُتَمَرِّدُ وَالمُرْتَدّ الثَّائِرُ وَالعَاشِقُ
الخارجُ وَالشَّاعِرُ الصَّعْلُوكُ وَالفَارِسُ
وَبَيْنَ سَوْرَةِ القَلْبِ تَتَفَطَّرُ شِعْرًا
وَسَوْرَةِ الذِّهْنِ تَتَلأْلأُ نظرًا
أَكْتُبُ وَأُعْلِنُ: كِتَابَتِي غِوَايَةٌ, - وَأُكَرِّر: لَسْتُ
الجَوْهَرَ لَسْتُ النّوعَ النّقِيّ أَنَا جَوَاهِرُ وَأنْوَاعٌ
مَزِيجُ قَمَرٍ وَشَمْسٍ في لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ
وَ(حِينَ أَضْحَكُ
أَضْحَكُ لِكَيْ أنْفَصِل بِفَرَحٍ عَنِ المَاضِي) (مَارْكس)
مُعْلِنًا حَقِّي فِي أَنْ أَكُونَ مَتَنَاقِضًا (مَنْطِقِي أَكْثَرُ
شُمُولاً مَنْ مَنْطِقكُم الظَّاهِريِّ)
وَأَنْتَ أَيُّهَا الطُّوفَانُ يَا صَدِيقِي تَقَدَّمْ
هَكَذَا نَنْضُجُ فِي خَابِيَةِ الزَّمَنِ وَنَسْتَنْبِتُ قَاتًا آخَرَ, -
صَنعَاءُ / (الإِنْسَانُ مِنْ حَيْثُ يُوجَدُ لاَمِنْ حَيْثُ
يُولَدُ)
عَدَنٌ / (الإِنْسَانُ مِنْ حَيْثُ يَثْبُتُ لاَ مِنْ حَيْثُ ينْبُتُ)
صَنعَاءُ / الجَسَدُ ثَقَافَةُ اللُّغَة وَالحَيَاةُ أَنْ تُعَاشِر المَوْت
عَدَنٌ / (لِمَاذَا) هِي البَدَاهَةُ (كَيْفَ) هِي المُشْكِلَةُ
صَنعَاءُ / أُضَلِّلُكِ وَأَنَا الهَادِي
عَدَنٌ / هَلْ أشْتمُ الفَلَكَ?
صَنعَاءُ / (الصَّدَاقَةُ رَضَاعٌ ثَانٍ)
عَدَنٌ / لاَ سُلْطَانَ كُلّ إِنْسَانٍ سُلْطَان
مَوْتٌ أَنْ تَحْيَا بِأَفْكَارٍ مَاتَتْ
الأَفْكَارُ كُلُّهَا لِكَيْ تَمُوتَ مِنْ أَجْلِكَ
وَأَنْتَ أَيُّهَا الطُّوفَان يَا صَدِيقِي تَقَدَّمْ
7
الأُفُقُ جَائِعٌ وَأَنَا فِي خَلِيجِ عَدَنٍ أخْبزُ عَرَقِي
أشْجَارُ المُرَيْمَرةِ تَئِنّ وَتَكَادُ أَنْ تُجَنَّ وَكَيْفَ تقدر
أَنْ تَتَجَنَّبَ الفُؤُوسَ التِي تَخْرُجُ مِنْ نَعِيق الغُرْبَانِ?
أُسْنِدُ جِسْمِي عَلَى الغُرُوبِ أُوَحِّدُ بَيْنَ مَشَاعِرِي
وَلَعِبِ المَوْجِ أَقُولُ لِلرَّمْلِ الذِي يَشْرَبُ المِلْح وَلاَ
يَرْتَوِي: مِنْ أَيْنَ لَكَ, أَيّهَا الضَّامِرُ, هَذِهِ المِعدة?
يَا صَدْرِي, يَا صَدْرًا بآلافِ الطَّبَقَاتِ - اكتَنِزْ
بِهَذَا النّسِيم الذِي يَهُبّ فِي أَحْضَانِ الخَلِيجِ
العَدَنِيّ
لَوِّحْ لِتِلْكَ المرَاكِب غَيْر المَرْئِيّة التِي تَعْمُرُ أُفق المَاء
وَأَوْسِعْ فِي أَنْحَائِكَ المَرافِىءَ
أَصْغِ لِشَمْس عَدَنٍ تُوَشْوِشُ الخَلِيج وَهي تَغْتَسِلُ
بِرُطُوبَةِ المَسَاء
وانظُرْ لِهَذَا النَّوْرَس كَيْفَ يَحْمِلُ عَلَى كَتِفَيْهِ عِبءَ
الشَّوَاطِئ
حَقّاً, لِكَيْ تَدْخُلَ فِي إِيقَاعِ اليَمَنِ,
يَنْبَغِي أَنْ تَعْرِفَ كَيْفَ يُغَنِّي البُكَاءُ الضَّحكَ,
وكَيْفَ يَنَامُ القَمَرُ والشَّمْسُ عَلَى مِخَدَّةٍ وَاحِدَةٍ,
يَنْبَغِي أَنْ تَعْرِفَ كَيْفَ تَكُونُ فِي اللَّحْظَةِ نَفْسِهَا
النّهَارَ وَاللَّيْلَ,
وَكَيْفَ يَتَحَوَّلُ الغُبَارُ فِي خُطوَاتِكَ إِلَى صِيَّادٍ
لِلْوَقْتِ,
يَنْبَغِي أَنْ تَعْرِفَ كَيْفَ يُكْسَرُ الحَجَرُ كَمَا يُكْسَرُ
الجَوز.
... / أرْضٌ تَكْتُبُ أَعَاجِيبَهَا بِحِبْرِ المَادَّة البَحْرُ
فِيهَا يَخْرُجُ مِنَ الصُّدُورِ وَالأَيْدِي النُّجُومُ تَطْلعُ
مِنَ البُيُوتِ
سمْعًا,
مَا الَّذِي يَقُولُهُ هَذَا الحِزَامُ الفِضِّي لِخَصْرِ هَذِهِ
المرْأة?
مَا هَذِهِ الشَّمْسُ التِي تَنْزَلِقُ خِفْيَةً فِي مُلاَءةِ هذِه
المرْأة?
مَا هَذِهِ الأَصْوَاتُ التِي تَتَحَوَّلُ إِلَى قُبَلٍ تَرْتَسِمُ
هَالاَتٍ هَالاَتٍ حَوْلَ جَسَدٍ هَذِهِ المرْأَة?
كَلاَّ, لَمْ يَصِلْ أَحَدٌ إِلَى ذَلِكَ النَّهَار الذِي يَعْرِفُ
وَحَدَهُ كَيْفَ يَلْبسُ لَيْلَ هَذِهِ المرْأة.
نَفْهَمُ الآنَ كَيْفَ تَسْتَنِدُ امرَأَةٌ يَمَانِيةٌ إِلَى دُمُوعِهَا
فِيمَا تَمْسَحُ الغُبَار عَنْ وَجْه الأُفُقِ وَكَيْفَ تلقِي
التَّارِيخَ عَلَى كَتفيها كَمنْدِيلٍ أخْضَرَ نَعْرِفُ الآنَ
كَيْفَ تُزَفُّ عَرَائِسُ البَحْرِ إِلَى رؤوسِ الجِبَالِ
نَعْرِفُ اللَّقَاحَ الذِي يُوَحِّدُ وَيُعَدِّدُ نَعْرِفُ كَيْفَ
يَعْمَلُ الجَبَلُ لكَيْ يُصْبِحَ سَمَاءً وَكَيْفَ تَعْمَلُ
السَّمَاءُ لِكَيْ تُصْبِحَ شَجَرَةً
نَقدر الآنَ أَنْ نُسَمِّي الذَّاكِرَةَ سَفِينَةً وَأَنْ نَقُولَ
اللَّيْلُ نَبْعٌ وَالنَّهَارُ إِبْرِيقٌ ونَزْعم أَنَّ التَّارِيخَ كَثيِرًا
مَا يأخُذ هَيْئَة شَاعِرٍ ضَيْفٍ يَأْسِرُهُ الغِنَاء اليَمَانِيّ
إِنَّهَا المَادَّةُ نَفْسُهَا تُطْلِقُ أَفْرَاسَ المُخَيِّلَةِ فِي
الْجِهَاتِ الخَفِيَّة مِنْ كَوْكَبِ الحَيَاةِ أسمعُ
أَجْرَاسًا تَتَدَلَّى مِنْ أَعْنَاقِ الأَشْيَاء أَكْتَشِفُ
الأَسْمَاءَ المَرْقُومَةَ في كتاب
المجَرَّةِ أَرَى الفَضَاءَ عَتَبَةً لِرَأْسٍ يَبْحَثُ عَنْ وِسَادَةٍ
فِي مَجْهُولٍ ما,
وَلَسْتُ أَتَحَدَّثُ عَنِ الغَيْبِ أَتَحَدَّثُ عَنْ هَذَا الكَوْنِ
الصَّغِير - الإِنْسَانِ وعن شَهْوَتِه لِكَيْ يَحْتَضِن
الكَوْنَ الكَبِيرَ وَيَلبس اللاَّنهَايَةَ
إِذَنْ مِنْ إِشْعَاعِ البَشَرِ وَمِنْ مَرَاكِب الظنِّ آخُذ
هَذِهِ الحِكْمَةَ: لَيْسَ الإِنْسَانُ هُو الّذي
يَنُوءُ بَلْ الطَّرِيقُ وَسَوفَ نَتَلأْلأُ فِي هَذَا الكُسُوفِ
العَرَبِيّ
نَفْتَتحُ طَرِيقًا آخَرَ
وَنُطْلعُ شَمْسَنَا الثَّانِيةَ
اللَّحَظَاتُ تَزْدَهِرُ ضِدَّ الصَّحْرَاء وَالأَشْيَاءُ انفِجَارٌ
ضَوْئِيّ
الجَسَدُ أكْبَرُ مِنْ مَكَانِهِ وَالعَيْنُ أوْسَعُ مِنْ
فَضَائِهَا, -
نصْغِي لِكَيْ تَقُولَنَا مَوْجَةٌ أَوْ يبثَّنا السّحَرُ ندىً
فَوْقَ مُخْمَلِ الأرْض أَو يَحْمِلَنَا الصَّبَاحُ ماءً
وَخُبْزًا وَمَنْ يَسْأَل الوَرْدَةَ ماذَا يقولُ
عِطْرُكِ أَيَّتُها الشَّاعِرَة? هَكَذَا لَنْ يَسْأَلَكَ أحدٌ مَاذَا
تَقُولُ أَيُّهَا الشَّاعِرُ?
وَبَيْنَ العَرَبِيّ الذِي يَلْتَهِمُهُ الغَرْبُ وَالعَرَبِيّ الَّذِي
يَلْتَهِمُهُ العَرَب سَيَكُونُ مَكَانٌ لِتَارِيخٍ آخَر, -
أنْظُرُوا إِنَّهَا السُّهُولُ تَتَدَثَّرُ بِغُبَارِ الطّلع
إِنَّهَا البَرَاعِمُ تَدْخُلُ فِي أَعْرَاسِ اللِّقَاحِ
(بَلَى, لاَ تَزَالُ هُنَاكَ جَنَّات) (مُونْتِيرْلاَن)
... أَنْغَمِسُ فِي نَوَايَاي وَأُهِيِّىءُ حُروبِي, -
مُنْحَدَرُ التَّارِيخ يَنْعَكِسُ أعْطِي نَشْوَةَ الحُلْمِ
لِبَصِيرَةِ العَمَلِ أغْتَرِبُ لأَعْرِفَ نَفْسِي أهجِّن
الأَصَالَة (أَنْ تبدعَ هُوَ أَنْ تهجِّن) وأَسْأل مَنْ قَالَ
العَيْنُ هِيَ وَحْدَهَا البَصَرُ? مَنْ قَالَ اللِّسَانُ هُوَ
وَحْدَهُ الكَلاَمُ? مَنْ قَالَ اليَدُ لاَ تُفَكِّرُ?
وأَقُولُ الجَسَدُ إمْلاَئِي وَشَرْعِيَ التّحَوُّلاَت, -
إفْتَحِي صَدْرَكِ يَا مَلِيكَتِي..
... إِذَنْ فِي انْفِجَار التحَوُّل تَبْدُو الحَيَاةُ اسْتِعَارَةً
وَالْحَقِيقَةُ مَجازًا
إِذَنْ أشَبِّه غُمْدَانَ بِالنَّهَار وَبلقيس بِاللَّيْل وَأَنَا
بيْنَهُمَا الهَدِيلْ .
***********************************************************
دليل السفرفى غابات المعنى
ما الغيب?
بيت نحب أن نراه,
ونكره أن نقيم فيه.
ما السر?
باب مغلق إذا فتحته انكسر.
ما الحلم?
جائع لا يكف عن قرع باب الواقع.
ما اليقين?
قرار بعدم الحاجة الى المعرفة.
ما القبلة?
قطاف مرئي
لثمر غير مرئي .
*******************************************************
الحب جسد
الحب جسد أحنّ ثيابه الليل.
للأعماق منارات
لا تهدي إلاّ الى اللجّ.
شجرة الحور مئذنة
هل المؤذّن الهواء?
أقسى السجون وأمرّها
تلك التي لا جدران لها.
كان أبي فلاّحًا
يحبّ الشعر ويكتبه,
لم يقرأ قصيدة
إلاّ وهي تضع على رأسها رغيفًا.
الحلم حصان
يأخذنا بعيدًا
دون أن يغادر مكانه.
********************************************************
لو أن البحر يشيخ
لو أنّ البحر يشيخ
لاختار بيروت ذاكرة له.
كلّ لحظة
يبرهن الرماد أنه قصر المستقبل.
يسافر,
يخرج من خطواته
ويدخل في أحلامه.
كلما هذّبته الحكمة
فضحته التجربة.
يرسم خرائط
لكنّها تمزّقه.
أغلق بابه
لا لكي يقيد أفراحه,
بل لكي يحرّر أحزانه,
رماده يفاجىء النار
وناره تفاجىء الوقت.
ينكر الأشياء التي تستسلم له
تنكره الأشياء التي يستسلم لها.
الماضي بحيرة
لسابح واحد: الذكرى.
لا وقت للبحر لكي يتحدث مع الرمل:
مأخوذ دائمًا بتأليف الموج.
اليأس عادة, والأمل ابتكار.
للفرح أجنحة وليس له جسد,
للحزن جسد وليس له أجنحة.
الحلم هو البريء الوحيد
الذي لا يقدر أن يحيا إلاّ هاربًا.
الفكر دائمًا يعود
الشعر دائمًا يسافر.
السرّ أجمل البيوت
لكنه لا يصلح للسكنى.
يصدأ اللسان من كثرة الكلام,
تصدأ العين من قلة الحلم.
أنّى سافرت, كيفما اتّجهت:
أعماقك أبعد الأمكنة.
جُرحتُ باكرًا
وباكرًا عرفت:
الجراح هي التي خلقتني.
قرية صغيرة هي طفولتك
مع ذلك,
لن تقطع تخومها
مهما أوغلتَ في السفر .
*****************************************************
سلام
لوجوهٍ تسير في وحدة الصحراء للشرق يلبس
العشب والنارَ سلامٌ للأرض يغسلها البحر
سلامٌ لحبّها... عُرُيكَ الصاعقُ أُعطَى أمطاره
يتعاطانيَ رعدٌ في نهديَ
اختمرَ الوقت تَقدَّمْ هذا دمي أَلقُ الشرق اغترفْني
وغِبْ
أضِعْني لفخذيك الدويّ البرق اغترفني تبطّنْ جسدَي
ناريَ التوجّه والكوكب جرحي هدايةٌ أتهجَّى...
أتهجَّى نجمةً أرسمُها
هاربًا من وطني في وطني
أتهجَّى نجمة يرسمها
في خطى أيامه المنهزمه
يا رماد الكلمه
هل لتاريخيَ في ليلك طفلٌ?
*************************************************
لم يعد غير الجنون
إنني ألمحهُ الآنَ على شبّاك بيتي
ساهرًا بين الحجار الساهره
مثل طفلٍ علَّمته الساحره
أنَّ في البحر امرأه
حمَلتْ تاريخه في خاتمٍ
وستأتي
حينما تخمد نارُ المدفأه
ويذوب الليل من أحزانِه
في رماد المدفأه...
... ورأيت التاريخ في رايةٍ سوداء يمشي كمنهزم
لم أُؤرّخْ عائشٌ في الحنين في النار في الثورة في
سحر سُمِّها الخلاَّق
وطني هذه الشرارة, هذا البرق في ظلمة الزمان
الباقي... .
************************************************
أول الشعر
أجمل ما تكونُ أن تُخلخلَ المدى
والآخرون - بعضهم يظنّك النّداءَ
بعضهم يظنّك الصّدى.
أجمل ما تكونُ أن تكون حجّةً
للنور والظّلامِ
يكون فيك آخرُ الكلامِ أوّلَ الكلامِ
والآخرون - بعضهم يرى إليك زبدًا
وبعضهم يرى إليك خالقًا.
أجمل ما تكون أن تكون هدفًا -
مفترقًا
للصّمتِ والكلامِ .
*************************************************
أول التهجية
نقدرُ, الآنَ, أن نتساءلَ كيف التقينا
نقدرُ, الآنَ, أن نَتَهجّى طريقَ الرّجوعْ
ونقولَ: الشواطىءُ مهجورةٌ,
والقلوعْ
خَبَرٌ عن حُطامٍ.
نقدر, الآن, أن ننحني, ونقولَ: انْتَهَيْنا .
*****************************************************
قيس
كان قيسٌ يقول: اكتسيتُ بليلى
وكسوتُ البَشَرْ
ورأيتُ إليه يُغطّي
وجنتيهِ بنارٍ
ويسامرُ غاباتها ويُطيل السّمَرْ.
ورأيتُ إليه يلمُّ القمَرْ
حُفنةً حفنةً من ضِفافِ السّهَرْ .
*************************************************
أول الكلام
ذلك الطّفل الذي كنتُ, أتاني
مرّةً
وجهًا غريبًا.
لم يقل شيئًا. مشينا
وكِلانا يرمقُ الآخرَ في صمتٍ. خُطانا
نَهَرٌ يجري غريبًا.
جمعتْنا, باسْمِ هذا الورقِ الضّارب في الرّيح, الأصولُ
وافترقْنا
غابةً تكتبها الأرضُ وترْويها الفصولُ.
أيها الطّفل الذي كنتُ, تَقَدَّمْ
ما الذي يجمعنا, الآنَ, وماذا سنقولُ? .
*************************************************
مفرد بصيغة الجمع
1
لم تكن الأرض جرحًا كانت جسدًا
كيف يمكن السفر بين الجرح والجسد
كيف تمكن الإقامة?
2
كان لإقامته بين الشجر والزَّرْعِ شحوبُ
القصب وسَكْرَةُ الأجنحة
تآصَرَ مع الموج
أَغْرى بِهدأة الحجر
أَقْنَع اللّغَة أن تؤسِّس حِبْرَ الخشخاش
وكان سُلَّمٌ يقال له الوقت يتكىء على اسْمِه ويصعد
نبوءةً
نبوءةً
من الأجنحة يخرج الأثير
من المصادفة يخرج الحتْم
لكن
أيتها الشمس الشمس ماذا تريدين مني?
وجهٌ يجتمع بُحيرةً يَفْترق بجعًا
صدرٌ يرتعش قبّرةً يهدأ لُوتَسًا
حوضٌ يتفتّح وردةً ينغلق لؤلؤةً
تلك هي أدغال الهجرة وراياتُ القَفْر
وللنهار يدا لعبة
وللفَلكِ نَبرةُ المهرِّج
لكن
أيتها الشمس الشمس ماذا تريدين مني?
يلبس الموتُ حالةَ البنفسج
يسكن النّرجس آنيةَ الثلج
يحلم أن الحبّ وجهٌ
وأنَّه مرآته -
الحجرُ برعمٌ, الغيمةُ فراشةٌ
وعلى العتبة جسدٌ - شرارَةٌ لقراءة الليل
ليس الموتُ عزلةَ الجسد
الموت عزلةُ ما ليس جسدًا
لكن,
أيتها الشمس الشمس ماذا تريدين مني?
أَبحث عما لا يلاقيني
باسمه أنغرسُ وردةَ رياحٍ
شمالاً جنوبًا شرقًا غربًا
وأضيفُ العلوَّ والعمق
لكن, كيف أتجه?
لعينيَّ لونُ كسرة الخبز
وجسدي يهبط نحو داءٍ له عذوبةُ الزّغب
لا الحبّ يطاولني
ولا تَصل إليَّ الكراهية
لكن,
كيف أَتَّجه? وماذا تريدين مني
أيتها الشمس الشمس?
3
يمحو وجهه - يكتشف وجهه
يتقدَّم الخطف تلبسكِ فتنةٌ بفجرها الأول
يتقدّم الوقت أين المكان الذي تُزْمِنُ فيه الحياة?
تتقدَّم العتمة أيّة رَجَّةٍ أنْ أوزِّعكِ في كريّات دمي
وأقولَ أنتِ المناخُ والدّورة والكُرَة
أيّة زلزلة?
يتقدّم الضوء يُلْيِلُ في أنحائي
أنقطع أتَّصل
والوقتُ يأخذ هيئة البشَرة
يخرجُ من الوقت
وسقطَ
غزوكِ
عليّ
وشَهَقَتْ إليكِ أحوالي
لماذا حين دخلتِ أخَذَتِ الحقول تشتعل وكانت
يداي أوَّل النار,
ولماذا, كلّ ليلةٍ,
كنت أحمل زَغَب نهديكِ لليلةٍ مقبلة?
أُدخلي
وعلى ركبتيكِ
ترابٌ وفي الطريق إليك - إليّ
الجبالُ
وسَرْوُ المنحدرات
وشرْبينُ الأودية أقول نلتقي - نفترق
وأَستجمع أنحائي:
أيها الحَنْظَلُ المتناثر ملحًا على موائد الإباحة
أنت العذوبة وأمنحكَ طعميَ الأول.
جسدكِ التّيه أخرج
وأسفارُ خروجي أنتِ
آخذكِ أرضًا لا أعرفُها
تلالاً وأوديةً تغطّيها نباتاتُ البحث
امتدادات غامضةً
وآخذكِ واقفًا
قاعدًا
راقدًا
ولا أقنع بغيركِ
آخذكِ
في تنهداتي
في اليقظة والنوم
في الحالات الوسيطة
وفي ما يُعدّه لي الوقت
آخذكِ
ثنيّةً ثنيّةً
وأفتتح مسالكي
أتمدَّد فيكِ لا أصل
أتدوّر لا أصل
أتسلَّك أنتسجُ لا أصل
أصلُ من أقاصيكِ لا أصل
ما بعد المسافاتِ أنتِ ما بعد المفازات
أنتِ أين وهل وماذا وكيف ومتى وأنتِ
لا أنتِ
انْبسطي على جسدي وانْغرسي
خليّةً في خليَّة
عرْقًا في عِرْق
ولتخرجْ منكِ آلاف الشفاه
آلاف الأسنان
ولتكن غيرَ معروفةٍ لتكونَ على قَدْرِ حبِّنا
( ... )
وأكون علّقتُ صورتكِ بجميع الصور
ويكون جاءني الكشف وقلت:
هذا لقاؤنا الأخير
من أنتِ?
آخذكَ
حيوانًا
يضع السّمَّ في شفةٍ
والبلسمَ في شفةٍ
وكلّ ليلةٍ, أقول
هذا لقاؤنا الأول
أيها الأحد
ق
م
ر
ش ع ش ا ع
وليس لي معك غيرُ الهواتف
وغيرُ البوارق
وما يطوف
ويهتزّ جسدي بالكُنْهِ اللازمِ له
والملكاتِ الواجبة في أشيائه
وأصرخُ: أنتَ الهباءُ
وأنت القادِر
من أنتَ?
جسدٌ يكبَرُ في الخَزَام والخالدة
ينحدر يعلو يَسْتشرف
يجمع الضّفاف ويقرأ هذَيان القصب
جَسَسْتُكِ بِعينيَّ
رقصًا يتقدَّم في خطوات الفصول
تنهّدتُ في ناردينٍ
وأخذتْ أشكالٌ تروح وتجيء في لُججِ
الخاصرة يصطدم الغريق بالغريق
أخرج من الخيزران
أَدخل المِدقّة
أتغلغل في أخْبية القاعدة
حيث يكمن البيضُ وينتهي قَلَم السمَّة
أتجمّع كما يتجمّع اللّقاح
أخلعك أتزيّا بكِ
أنسلخ منكِ أتَّحد بكِ
وأخلق بيني وبينك
خداعًا بعلوّ الشمس
رياءً يكسر الزَّمن غصنًا غصنًا
من أنتِ?
تحت البَشرة الهويّةُ
في شراييني خَبْطةُ المسّ
أتدحرج بين أنا الجمر وأنا الثلج
وبين
الياء
والألف
أَتدلى
أَخلق في اليوم يومًا آخر
وأَربط بحبل الدقائق أهوائي
تقول المرآة اكسريني
تقول الخطوات قيِّديني
وبين آلة الموت وحيوانِ الألفاظ
أَنْغرسُ أنجذرُ
وأَلعب نَرْدَ الطبيعة.
4
(...)
دائمًا
كان
بيننا
مسافة قلنا
يمحوها اللهب الذي نسميه الحبَّ
والتصقَ النهار بالنهار الليلُ بالليل
وبقيت بيننا مسافة
أطفأنا ما لا ينطفىء
أشعلنا ما لا يشتعل
وبقيت بيننا مسافة
وفي ساعات التحام الشهيق بالشَّهيق والنطفة بالنطفة
بقيت بيننا مسافة
أيّها الحب, أيها النسل المنطفىء
تَقدّمْ واجلس على ركبتيَّ - ركبتيها
خُذْ إبرَ الدمع وانسُجِ الماء
تحيّينا أجراس الرَّغبات
نبتكر موتًا يطيل الحياة
نبتكر خداعًا بعلوِّ الطفولة
رياءً بصدق الشمس
من نحن?
يجمعنا جسرٌ لا نقدر أن نعبره
يوحّدنا جدارٌ يفصلنا أدخل فيكِ أخرج منّي
أخرج منكِ أدخل فيَّ
ما أبنيه يَهدِمني
تشبّهتِ لي أَنَّك الفضاء
وأَضْغَثْتُ الرؤيا
أمسكتُ بوردةٍ هبطتُ واديك انتظرت
بيننا نهرٌ والجسر بيننا نهر آخر
سمعتكِ تسألين: أيّنا الكبدُ
أيّنا النواح?
اختلطتِ بالجَزَعِ وأعشاشه
صرختِ اتّحدنا كرةً من النار
انْطفئي الآن أَنطفىء الآن
لِنعرفَ نعمة الجمر
نمحو وجهينا نكتشف وجهينا
هواجس
أصدافًا
مرايا
ننفذ عِبرَها إلى شخوصنا الثانية
نفتح صدرينا للأكثر علوّاً
ينفتح لنا الأكثر انخفاضًا
ويدخل كلانا في برج الوحْدنة
في عزلة عصفورٍ يُحتضر
ويتذوَّق كلانا طعم الآخر
وتسكر أعضاؤه بالحياة لحظةَ يسكر الآخر
بالموت
وكلانا يُسِرّ نعم لحظةَ يجهر لا
ويُسرّ لا لحظةَ يجهر نعم
كيف تغسلين جسدك ويزول ماؤك الثاني?
كيف أغسل جسدي ويعود لي مائي الأول?
أنا سؤالكِ
ولستِ أنتِ جوابي
عرَّفتكِ بحنيني
بشرَّتك بِه وربطتك بنفسي
لكي يتحرَّك جسدكِ حركة الحكيم
وأتحرّك به
بما فوقه
بما تحته
وبالذي بين يديه
لكي أحيطَ بكِ إحاطةً تخلَّصني من كل قاطعٍ
يقطعني عنكِ
أقرأَ كتاب كنهكِ
أتطوّرَ في أصولكِ
أذوقَ موجوداتها
وأشخَّصَهَا في أوهامي
لكي تكوني النقطة
وأكون الخطّ والشكل
لكي تكوني مِنْ وما يتلوها
عَنْ وما عندها
حيث لا تسعني الكلمات
حيث لا يسعني غير التخييل والرمز
لم أقصدكِ
لستُ بحركِ
لست البجع الذي تنتظرينه
وليس لي غير أطرافٍ
أطراف تتيهُ
تتوه في حُمَّى لم أكتشف حدودها بعد.
محوتكِ - اكتشفتكِ
بسطت على الورق أجنحتي واستدعيتكِ
قلتُ: الموت شيخ
من أين له بعد أن يلحق بنا?
قلتُ: جسدي شمالٌ والزمن جنوب
كيف لهما أن يلتقيا?
ولكِ أَماميَ الذي لا يهرم
ولك أبديّة الجهات الباقية من أعضائي
ولكِ منحتُ عينيَّ الأرقَ ويأسيَ النوم
ولك ساويتُ بين الصحراء والبحر
العينِ والشّوك
ولكِ استثنيتُ المعنى من حشود الكلمات
وسمّيته الصورة
ووفاءً لأسمائك التي أنزلتها سلطانًا
قلت للأبجدية: تشهَّيتِ ووحَّمْتكِ
ولكِ غيْرتُ وأقنعت سنواتي أن تكون جمرة التغير
ولكِ استوهَبْتُ اللهبَ أخطائي وأقنعت الجسد
أن يكون مجدَ الصفات
ألتهمكِ خليّةً خليَّةً لا تروينني
أَحتويكِ نبضةً نبضةً لا راحةَ لي فيكِ
لا الغيرة تفصلني عنك لا الكراهية
يفصلني شعور لا اسْمَ له
وأنتِ الآن الزّمنُ والموت:
من أين لي أن أَسترجعكِ?
تُحتضرينَ أندفع نحوكِ
أجسُّ بقاياكِ
وألمس كيف ترحلين
لم
أكن
لستُ إلا رذاذًا يُشهيَّ
كنت البطيءَ وسبقتْني ثيابي
موتي سُلَّمٌ لجسدي وجسدي بلا قرار أين أثبت?
أثبتّ السّحاب قلتُ للزبد أن يكون
مفتاحَ الموج أين أثبت?
ليس الاسم جذرًا ليس الجذر امرأةً ليس أين أثبت?
القشُّ يأتزر بالورد والكلمات تكسر صلبانها أين أثبت?
وجاءني الأفق سَمَّى نفسه بِاسْمي
ليس الاسم حضنًا
ليس الحضن امرأةً
آخذ شفتيَّ منكِ هذه الليلة
أيتها الأرض الوَحْمى ولا حَبَل,
لأعرفَ كيف تهطلين أيتها الصحراء
كيف تزدادين اتساعًا
لأعرفَ حَتْمَ اليأس
لأعرفَ كيف نحبّ دون أن نحبّ
كيف يذبل ما تسمَّى بأسمائنا الأولى
وارتوى بما حسبناه لا يعرف الذبول
الجرح دلتا
البلسم ألف
والجسد حروفٌ بلا نقاط
أيّة هاوية تَتّسع لأعضائي
ليس للمكان قصبةٌ لأتوكّأ
ليس في مناخهِ غيومٌ لأتوسّمَ المطر
وها أسمع في جسدي
جذوعًا تَنْبتر
وأشلاءَ تَتطاير
وها أنسكب في شظايايَ
وأَسترخي
أيّها الحبّ - الرأسُ الذي يَشجُّه الجَسد عرقًا عرقًا
أيها الحب, يا أرومةَ الماء
اتّسعْ
كن الهباءَ والشمس
وأثْبِتِ الغُبار بالغبار.
تمرحَلْ, أيها الجسد, من الآن إلى الموت
- متى وُلدتَ, ما عمرك?
تَمدَّدْ, أيها البخار, يا دمي ورافق استطالاتي
ثمة أمواجٌ تقبل من شواطىء غير مرئية
تقول إنّها استطالاتي
ثَمَّة صلصالٌ غيَّر اسمه
حَرْفٌ خرج من صوته
أُفقٌ على شَفَا الأفق
تقول إنها استطالاتي
وبين العصب والعصب صَحَارى
تقول إنها استطالاتي
وأنتِ, يا زهرة الآلام امْنحينيَ احتمالاتٍ أخرى
كوني أمومةً زهرةً بآلاف الأَسْدية والمِدَقَّات,
الكؤوس والتّويجات
امْنحيني - اذْكري وجهي
كنتِ تَنْحنين عليه كلّما جمعنا ماءٌ أو هواءٌ
لِنقرأ الموت
تمتزج رائحتانا
تنمو أطرافُنا توائمَ توائمَ
أقول لكِ: تَموتينَ مأخوذةً بالماء
تقولين لي: تموت مأخوذًا بالشمس
لكن,
لحظةَ تذبلين بين عينيَّ
يفصلنا لَهَبٌ لَهَبٌ لَهَبٌ
ومتاهاتُ الأحد السبت الجمعة الخميس
أصِلُ فيك الشهوة بطعم التراب
والفرحَ بنكهة الموت
وها هو جسدي
موشومًا ببقع الحسرة
يزحف بين كلماتي
تتكاثفُ أدغال الأرق
تعلو أمامي الجبالُ
الشجر ينام
ولكلِّ حصاةٍ أذنان تُصغيان إليَّ.
توهَّمتُ أنَّ اليدَ يَدٌ وأنَّ الوجهَ هو الوجه
وكان هذا تعاطفًا مع الرمل.
الجسدُ يتذكّر الحبّ ينسى
الحبّ أن نذهب الجسدُ أن نجيء
الحبّ أن نستوهم الجسدُ أن نتَبلبل
الحبّ - هذا الهَزْل الكوني
من أجل أن يظلَّ الأبد مشقوقًا
من أجل أن نُهَسْهِسَ الشّكّ.
7
باسم جسدي الميت - الحي الحي - الميت
ليس لجسدي شكلٌ
لجسدي أشكالٌ بعدد مَسَامِّه
وأنا لا أنا
وأنتِ لا أنتِ
ونصحّح لفظَنا ولسانيْنا
ونبتكر ألفاظًا لها أحجامُ اللسان والشفتين,
الحنَكِ
وأوائلِ الحنجرة
ويدخل جسدانا في سديم دَغَلٍ وأعراس
يَنْهدمان
يَنْبنيان
في لُجّةِ
احتفالٍ
بلا شكل
بطيئًا سريعًا
نحو ما سميناه الحياة
وكان فاتحةَ الموت.
باسم جسدي الميت - الحي الحي - الميت
ارتفع السَّرْوُ بين الاسم والوجه
عادت اللغة إلى بيتها الأول
كان الحب قبرًا دخلتُ إليه وخرجتُ
كان القبر نزهةً لراحة الأوردة
ومات النحو والصرف
وحُشرا بين يَديْ أول قصيدة كتبتها وآخر قصيدة
وأخذ الحَشْرُ يحكم ويَفْصل
يبرّئ ويَدين
لكي يأتي الليلُ
يشرد النهار خارج النهار
لكي يأتي النهار
يشرد الليل خارج الليل
لكي تحتفظ الأرض بذكرى العشب
تَتَغطَّى بالقش
باسم جسدي الحي - الميت الميت - الحي
للجسد أن يفصل بين جسدي وجسدي
له أن يعتقل عضوًا بعضو
يحارب خليّةً بخلية
له أن يزرع دمي ويحصده
وللجسد أن يكون جسدي
ضِدّ جسدي.
8
( ... )
سلامًا لآلاتٍ غير مرئية أَبتكرها لأبتكر أجسادي الأخرى
قلوبي الأخرى
سلامًا لكوكبي الجالس على طرف القيد
يتَّخذ من قدميَّ وذراعيَّ حدودًا وأعلامًا
سلامًا لوجهي يتبع فراشةً تتبع النار
// هل أفصل نفسي عن نفسيَ
هل أجامعها / هل الجما
عُ لحظة انفراد أم لحظة ازدوا
ج? هل آخذ وجهًا آخر? وما
ذا يفعل جسد تبقّعه جراحٌ لا تلتـ
ـئم? إنها الصحراء
تطبق عليّ, وها هو
الجرادُ يَحْتَنِكُ أطرافي //
أجلسْ, أيها الموتُ, في مكانٍ آخر
ولْنتبادَلْ وجهينا
أصنع نبضي نسْغًا لأبجديتي
أسوّيك الجلد
أسمّيك النظر
طعمَ الأشياء
( ... )
وأقول باسمكَ:
ابتسمْ, أيها النهر, لجفافك
امرحي, أيتها الزهرة, بين الشّوكة والشوكة
وأقول باسمكَ:
في الرّماديّ أفتحُ جسدًا أتجوّلُ في أرجائه
حيث يتمشّى قوس قزحٍ بخطوة الطفل
ويكون لخيالي أن يفترسَ عينيَّ
ويهدم الجسورَ بيني وبين ما حولي
ويكون لي أن أصعدَ وألتقفَ الهواءَ المحيط.
وأقول باسمكَ, هامسًا لأشباحك:
أيتها العطور التي تفرز الرّغبة
تزيّني
واسْتهويني.
وأقول باسمكَ:
دائمًا على شَفَا الجنون
لكنني لا أُجنّ.
اجلسْ, أيها الموت, في مكانٍ آخر ولنتبادل وجهينا
أُسمّيك الجسدَ وأسأل
كيف أعيش مع جَسَدٍ أتَّهمه
وأنا المتَّهَمُ والشاهِدُ والحكَم?
وأسميكَ جسدي
وأرى إليك إليه يتفكَّك ويتركَّب
السَّاعد فخذٌ
المعصم كاحِلٌ
اليد قَدمٌ
الكتف مِرْفقٌ
وما تبقَّى غيرُ ما تبقَّى
وأستسلمُ, أنا الراسخ,
كانهيارٍ ثلجيّ
عنقي يهبط في التّرقوة
وتهبط هذه في الصدر
ويهبط الصدر في ليل الرّدفين
والرِّدفان في شمس الأحقاء
وتكون الأحقاء رصاصًا يرسب في أطراف
الساقين وتتَنَوَّرُ بأعضائي أعضائي.
وتقول باسمي:
أسميكَ عاشقًا
وجْهًا إلى الحيوان
وجهًا إلى النبات
وأصغي إلى هذيانك يطلعُ
في لهاث العناصر:
دال تاء
- بحسب حركاتكَ يجري أمري
والليل والنهار بريدي إليك
يتراكضان كمُهرين في سباق
كيف أقمع هوائجي
والحاجة إليكَ هتكتني?
واو نون
- كيف أقمع هوائجي
والحاجة إليكِ هتكتني?
تبكين?
- لا تحرق النار موضعًا مَسَّهُ الدمع
لذلك أبكي
ينبت القرنفل في الدمع
لذلك أبكي
وأمس قرأت: (كلّ شهوة قسوة إلاّ
الجماع يُرقِّقُ ويُصفّي)
لذلك أبكي.
سين ألف
- أدخلي, كأنك نقبتِ الجحيم وخرجت منها
أو كأنك امرأة تشتري العطرَ بالخبز
أُحْصيك وأستقصيكِ
أُزمِنُ فيكِ وأُكوكب حولك أعضائي
وكنت صادَفْتُ نفسي فيكِ
وحين تبعتكِ
قلتُ: النَّفَسُ يتبع بعضُها بعضًا.
لكن,
لماذا أنا كثيرٌ بنفسي قليلٌ بكِ?
لماذا, كلما اقتربْتِ إليّ, أشعر كأنّ عضوًا يسقطُ مني?
مع ذلك, ادخلي
لا يزال جسدي رطبًا بذكركِ
وكيف أقمع هوائجي
والحاجة إليكِ هتكتني?
وأقول, باسمك, لجسدها:
جسدكِ صوتي أسمعه
نظري أتشرد فيه جسدكِ رحيلي وكل خليّةٍ منطلَق
جسدكِ مرفأي وأضلِّل المراسي جسدك الصخر يستبقيني
الغبارُ يطير بي
جَسدُكِ هبائي
ويظلِّلني
جسدك فضاؤكِ وأنا وحُوشهُ المجنّحة
جسدكِ قوسُ قزحٍ وأنا المناخُ والتحوّل.
وأسأل, باسمكَ:
أَصْحَرْتُ لا مأوى
اسْتَأْسَنْتُ من يُطهّرني?
من يعصمني من العبارةِ
تكدر,
من الإشارة
تضمحلّ
وكيف يتحرّر القفص?
وتقول, باسمي:
أَبْدع لجسدك ما يناقضه
كُنِ الهباءةَ والحصاةَ في جسدٍ واحد
أكمل جسدَكَ بنفيه
ولتكن اللّغةُ شكل الجسد
وليكن الشعر إيقاعه.
إجلسْ, أيها الموت في مكان آخر ولنتبادل وجهينا
أقول باسمك وباسمي:
نُضلِّل الحياة وهي التي تقودنا
ماذا أفعل
وجسدي أوسع من الفضاء الذي يحتويه
أنا الباحث
وليس أمامي غير الموت?
ونقول باسمها وباسمك وباسمي:
تجوهرتُ بكِ
وكنت أطمح إلى التبدّد
وفتحتك بجسدي لكن,
بماذا أختمك?
ومع أنني مَشُوبٌ بكِ
فأنا شيءٌ لا يستند إلى شيء
ليس مربوطًا
ولا ملتحمًا
ولا حالاً
لكنني أسيلُ لا أقف
وجسدي رمَى إذ رمى
بقاب قوسين
وأنا الصَّحيحُ المريض برزخُ الجنس
استوليتُ
إلبْتُ الكَمَّ والكيف
فُتُّ ما يُقال
مع ذلك,
عييت من تصوّرِك على أنحاءَ ومراتب
وأعوذُ بأسمائنا من علم اليقين
(أليقينُ شَرَكُ الضمائر
والمعرفة
أن
تعلم وتجهل)
هكذا أتحرّك في سلاسل جنوني وأنوّع الحلقات
هكذا أيّها الثابت
المتبدّل
المتصوّن
يا جسدي
وكذا
وكذا
وكذا
هكذا أسأل:
أنتَ صِراطي كيف أقطعك?
أو
أسأل:
هل أنتَ حكايةٌ محرَّفةٌ ومكذوبةٌ عليَّ?
هكذا,
أُنكر ما يفرّقني
وما يجمعني
وأقول باسمكَ:
أنا الماء يلهو مع الماء .
**************************************************
أغنيات
( 5 )
سَكَنَتْ وجهها
سَكَنَتْ في نخيل? من الصّمتِ بين رؤاها وأجفانها...
بيتُها شارِد?
في قطيع الرّياحِ, وأيّامُها
سَعَف? يابِس?,
ورمال?.
مَنْ يَقولُ لِزيْنَبَ: عينايَ ماء?
ووجهيَ بيت?, لأحزانِها?
( 7 )
ألمحُ الآنَ أحزانَها
كالفراشاتِ, تضربُ قِنديلَها
حُرّةً, ذاهِلَهْ
وأراهَا تُمزّق مِنديلَها...
ألمحُ الآنَ أمّي:
وَجْهُها حُفْرة?, ويدَاها
وردة? ذابِلَهْ.
( 12 )
كان هذا مَمَرّاً إلى بيتها, - كثيرًا
خبّأتْنا شجيراتُه, ورسمنا
في تقاطِيعِه خُطانا, -
وهنا كان مروان يجمع أصحابَهُ...
مات ميثاقهم وماتوا
وامَّحت هذه العتَباتُ.
( 13 )
أخذوهُ إلى حفرة?, حرقوهُ
لم يكن قاتلاً, كان طِفْلاً
لم يكن... كان صوتًا
يَتموّجُ, يعلو مع النّار, يَرْقى على دَرَجات الفضاءْ
وهُوَ, الآنَ, شَبّابَة?
في الهواءْ.
( 14 )
ليس منديلُها لِيُلَثِّمَ وجهًا
أو يردَّ الغبارَ, وليس لكي يمسحَ الدّمعَ, منديلُها
طَبقُ الخبز والجبن والبيضِ, وهو لِحاف?
لِرشّاشِها, -
كان منديلُها رايةً...
( 15 )
تَرَكَ القافله
ومزاميرَها وهواها, -
مُفْرَد?, ذابِل?
جذبتهُ إلى عِطرها
وردة? ذابله.
( 16 )
ستَظلُّ صديقي
بين ما كان, أو ما تَبقَى
بين هذا الحطامْ,
أيُّهذا البريقُ الذي يلبس الغيمَ, يا سيّدًا لا ينامْ.
(18 )
أخذت ما تيسّر من خبزها / كان طفل?
يتلهّى بعكّازها
ويدبّ على قدمَيْها, -
حملته كجوهرة?, غَمَرتْهُ
ورمت فوقَهُ وجْهَهَا
وَمَضَتْ تتوكّأُ / عُكّازُها
إرثُها من أب?
مات قَتْلاً...
(19 )
أَلنّهار رغيف?
والمساءُ إدام? لهُ,
أَلمساءُ رغيف?
والنهارُ إدام? لهُ
ورق? يتقلّب في ريحه /
سيكونُ الشتاء طويلاً
سيموت الربيعُ بلا أُغنيات?, -
إنّ هذا رثاء? لليلى التي لم تمُتْ... .
********************************************************